كانوا مشتركين في المأثم كالجهاد فان المقصود به اعلاء كلمة الله تعالى واعزاز الدين فإذا حصل هذا المقصود من بعض المسلمين سقط عن الباقين وإذا قعد الكل عن الجهاد حتى استولى الكفار على بعض الثغور اشترك المسلمون في المأثم بذلك وكذا غسل الميت والصلاة عليه والدفن كل ذلك فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وان امتنعوا من ذلك حتى ضاع ميت بين قوم مع علمهم بحاله كانوا مشتركين في المأثم فأداء العلم إلى الناس فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين لحصول المقصود وهو احياء الشريعة وكون العلم محفوظا بين الناس بأداء البعض وان امتنعوا من ذلك حتى اندرس بشئ بسبب ذلك كانوا مشتركين في المأثم (قال وما رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل فأداؤه إلى الناس فريضة) ومعنى هذا الكلام ان مباشرة فعل التطوعات وما ندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بفرض ولا اثم على من امتنع من ذلك ولكن أداء ذلك إلى الناس فريضة حتى إذا اجتمع أهل زمان على ترك نفل كانوا تاركين لفريضة مشتركين في المأثم لان بترك النفل يندرس شئ ء من الشريعة وليس في ترك الأداء معنى الاندراس ونظير هذا ان من امتنع من صلاة التطوع فلا اثم عليه في ذلك ولو صلى التطوع بغير طهارة كان آثما معاتبا لان في الأداء بغير طهارة تغيير حكم الشرع وليس في ترك الأداء تغيير حكم الشرع فان المقصود بالتطوعات أحد شيئين قطع طمع الشيطان عن وسوسته بان يقول إذا كان هذا العبد يؤدى ما ليس عليه كيف يترك أداء ما هو عليه فينقطع طمعه عن وسوسته بهذا وهو جبر لنقصان الفرائض على ما قال صلى الله عليه وسلم إذا تمكن في فريضة العبد نقصان يقول الله تعالى لملائكته اجعلوا نوافل عبدي جبرا لنقصان فريضته وإذا كان في التطوع هذا المقصود فلا يجوز ترك البيان فيه حتى يندرس فيفوت هذا المقصود أصلا فعرفنا ان أداءه إلى الناس فريضة وإن لم يكن مباشرة فعله فريضة (قال وليس يجب على الفقيه أن يحدث بكل ما سمع الا لغائب حضر خروجه ممن يعلم أنه لم يشتهر في أهل مصره) يعنى بهذا ان أصل البيان واجب ولكن الوقت موسع وإنما يتضيق عند خوف الفوت كما بينا في حديث معاذ رضي الله عنه والذي أتاه كان قصده أن يتعلم منه ما لم يشتهر في مصره مما فيه منفعة للناس حتى يفتيهم بذلك إذا رجع إليهم قال الله تعالى فلولا نفر من كل فرقة الآية فما لم يعزم على الرجوع كان الوقت في التعليم واسعا على المعلم وإذا عزم على الخروج فقد
(٢٦٣)