فيه مضرة فيكون ذلك بمنزلة القاء الطعام في مزبلة أو شر منها ولان ما يزيد علي مقدار حاجته من الطعام فيه حق غيره فإنه يسد به جوعته إذا أوصله إليه بعوض أو بغير عوض فهو في تناوله جان علي حق الغير وذلك حرام ولان الأكل فوق الشبع ربما يمرضه فيكون ذلك كجراحته نفسه والأصل فيه ما روى أن رجلا تجشأ في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال نح عنا جشاءك أما علمت أن أطول الناس عذابا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا ولما مرض ابن عمر رضي الله عنهما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب مرضه فقيل إنه أتخم قال ومم ذاك فقيل من كثرة الأكل فقال صلى الله عليه وسلم أما انه لو مات لم أشهد جنازته ولم أصل عليه ولما قيل لعمر رضي الله عنه ألا تتخذ لك جوارشا قال وما يكون الجوارش قيل هو صنف يهضم الطعام فقال سبحان الله أو يأكل المسلم فوق الشبع إلا أن بعض المتأخرين رحمهم الله استثنى من ذلك حالة وهو انه إذا كان له غرض صحيح في الأكل فوق الشبع فحينئذ لا بأس بذلك بأن يأتيه ضيف بعد تناوله مقدار حاجته فيأكل مع ضيفه لئلا يخجل وكذا إذا أراد أن يصوم في الغد فلا بأس بأن يتناول بالليل فوق الشبع ليقوى على الصوم بالنهار ومن الاسراف في الطعام الاستكثار من المباحات والألوان فان النبي صلى الله عليه وسلم عد ذلك من أشراط الساعة فقال تدار القصاع على موائدهم واللعنة تنزل عليهم وعن عائشة رضي الله عنها انها كانت في ضيافة فأتيت بقصعة بعد قصعة فقامت وجعلت تقول ألم تكون الأولى مأكولة وان كانت فما هذه الثانية وفى الأولى ما يكفينا قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مثل هذا إلا أن يكون ذلك عند الحاجة بان يمل من ناحية واحدة فيستكثر من المباحات ليستوفى من كل نوع شيئا فيجتمع له مقدار ما يتقوى به على الطاعة على ما حكى أن الحجاج كتب إلى عبد الملك بن مروان يشكو إليه ثلاثا العجز عن الأكل وعن الاستمتاع والعي في الكلام فكتب إليه أن استكثر من ألوان الطعام وجدد السراري في كل وقت وانظر إلى أخريات الناس في خطبتك ومن الاسراف أن تضع على المائدة من ألوان الطعام فوق ما يحتاج إليه الآكل وقد بينا ان الزيادة على مقدار حاجته فيه كان حق غيره إلا أن يكون من قصده أن يدعو الأضياف قوما بعد قوم إلي أن يأتوا على آخر الطعام فحينئذ لا بأس بذلك لأنه غير مفسد ومن الاسراف أن يأكل وسط الخبز ويدع حواشيه أو يأكل ما انتفخ من الخبز كما يفعله بعض
(٢٦٧)