الكسب في موضعين إلى ما بينا من مذهبنا فقال في أحد الموضعين * ولو أن الناس قنعوا بما يكفيهم وعمدوا إلى الفضول فوجهوها لامر آخرتهم لكان خيرا لهم وقال في الموضع الآخر وما زاد على مالا بد منه يحاسب المرء عليه ولا يحاسب أحد على الفقر ولا شك ان مالا يحاسب المرء عليه يكون أفضل مما يحاسب المرء عليه وأما من فضل الغني فاحتج وقال الغني نعمة والفقر بؤس ونقمة ومحنة ولا يخفى على عاقل ان النعمة أفضل من النقمة والمحنة والدليل عليه ان الله تعالى سمى المال فضلا فقال عز وجل وابتغوا من فضل الله وقال تعالى ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم وما هو فضل الله فهو أعلى الدرجات وسمى المال خيرا فقال عز وجل ان ترك خيرا الوصية للوالدين وهذا اللفظ يدل على أنه خير من عنده وقال تعالى ولقد آتينا داود منا فضلا يعنى الملك والمال حتى روى أنه كانت له مائة سرية فتمنى من الله تعالى الزيادة على ذلك فقال رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي ولا يظن بأحد من الرسل عليهم السلام انه سأل من الله تعالى الدرجة الدنيا دون الدرجة العليا والدليل عليه ا ن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأيدي ثلاثة يد الله ثم اليد المعطية ثم اليد المعطاة وهي السفلى إلى يوم القيامة وفى حديث آخر قال عليه السلام اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا هي اليد المعطية وقال عليه السلام لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه انك ان تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لعائشة رضي الله عنها في مرضه ان أحب الناس إلي غنى أنت وأعزهم على فقرا أنت فهذا يدل على أن صفة الغنى أعلى من صفة الفقر قال عليه السلام كاد الفقر أن يكون كفرا وقال عليه السلام اللهم إني أعوذ بك من الفقر الا إليك وقال عليه السلام اللهم إني أعوذ بك من البؤس والتباؤس البؤس الفقر والتباؤس التمسكن ولا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم انه يتعوذ بالله من أعلى الدرجات * وحجتنا في ذلك أن الفقر أسلم للعباد وأعلى الدرجات للعبد ما يكون أسلم له وبيان ذلك أنه يسلم بالفقر من طغيان الغنى قال الله تعالى كلا ان الانسان ليطغي الآية وقال عز وجل الذين طغوا في البلاد الآية وإنما حملهم على ذلك الطغيان الاغناء يعنى الذين ادعوا مالا ينبغي لاحد من البشر فإنه لم ينقل ان أحدا من الفقراء وقع في ذلك فدل ان الفقر أسلم ثم صفة الغنى مما تميل إليه النفس ويدعوا إليه الطبع ويتوصل به إلي اقتضاء الشهوات ولا يتوصل بالفقر إلى شئ من ذلك وأعلى الدرجات ما يكون أبعد من اقتضاء الشهوات
(٢٥٣)