مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٢ - الصفحة ٤٣٨
الجماعة، وأن الامام الراتب هو إمام المقام ولا أثر لأمر الخليفة في رفع الكراهة الحاصلة في جمع جماعة بعد جماعة. واستدل على ذلك بأدلة كثيرة وألف في ذلك تأليفا ولم يحضرني الآن اسم مؤلفه رحم الله الجميع انتهى.
قلت: وقد وقفت على تأليفين في هذه المسألة: أحدهما للشيخ الامام أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله بن الحباب السعدي هذه المسألة: أحدهما للشيخ الامام أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله بن الحباب السعدي المالكي، والثاني منهما للشيخ الامام أبي إبراهيم الغساني المالكي. فأما الإمام العلامة أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين جن الحباب فذكر أنه أفتى في سنة خمسين وخمسمائة بمنع الصلاة بأئمة متعددة وجماعات مترتبة بالمسجد الحرام على مذاهب العلماء الأربعة، وذكر أن بعض علماء الإسكندرية أفتى بخلاف ذلك وهم: شداد بن المقدم، وعبد السلام بن عتيق، وأبو الطاهر بن عوف. ثم رد عليهم وبالغ في الرد عليهم، وذكر أن بعضهم رجع عما أفتى به لما وقف على كلامه. وقال في الرد عليهم: قولهم هذه الصلاة جائزة لا كراهة فيها خلاف الاجماع فإن الأمة مجمعة على أن هذه الصلاة لا تجوز، وإن أقل أحوالها أن تكون مكروهة لأن الذي اختلف العلماء فيه إنما هو في مسجد ليس له إمام راتب أوله إمام راتب وأقيمت الصلاة فيه جماعة ثم جاء آخرون فأرادوا إقامة تلك الصلاة جماعة. فهذا موضع الخلاف، فأما حضور جماعتين أو أكثر في مسجد واحد ثم تقام الصلاة فيتقدم الامام الراتب فيصلي وأولئك عكوف من غير ضرورة تدعوهم إلى ذلك تاركون لإقامة الصلاة مع الامام الراتب متشاغلون بالنوافل والحديث حتى تنقضي صلاة الأول ثم يقوم الذي يليه وتبقى الجماعة الأخرى على نحو ما ذكرنا ثم يصلون أو تحضر الصلاة الواحدة كالمغرب فيقيم كل إمام الصلاة جهرا يسمعها الكافة ووجوههم مترائية والمقتدون بهم مختلطون في الصفوف ويسمع كل واحد من الأئمة قراءة الآخرين ويركعون ويسجدون فيكون أحدهم في الركوع والآخر في الرفع منه والآخر في السجود، فالأمة مجمعة على أن هذه الصلاة لا تجوز، وأقل أحوالها أن تكون مكروهة.
فقول القائل إنها جائزة لا كراهة فيها خرق لاجماع الصحابة، والقرن الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس إلى حين ظهور هذه البدعة. ثم قال في موضع آخر بعد أن تكلم على المسألة: وإنها ممنوعة على مذهب مالك وغيره ورد على من أفتى بخلافه. فأما أحمد فكفانا في المسألة مهمة فإنه منع من إقامة صلاة واحدة بجماعتين في المسجد الحرام الذي الكلام فيه ومسجد الرسول (ص)، وقد حكى لك أن مذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي الذين منهم أبو حنيفة أنهم لا يرون إقامة صلاة بإمامين في مسجد واحد، فأما إقامة صلاة واحدة بإمامين راتبين يحضر كل واحد من الإمامين فيتقدم أحدهما وهو الذي رتب ليصلي أول وتجلس الجماعة الأخرى وإمامهم عكوفا حتى يفرغ الأول ثم يقيمون صلاتهم، فهذا مما لم يقل به أحد ولا يمكن أحدا أن يحكي مثل هذا القول عن أحد من الفقهاء لا فعلا ولا
(٤٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 ... » »»
الفهرست