ثم ذكر الآبي عن عياض أنه قال: قال بعض شيوخنا: الظاهر الجواز انتهى. وهو ظاهر المدونة كما تقدم. وعزاه اللخمي لها وعدم الجواز وهو مذهب المجموعة ومختصر ابن عبد الحكم.
وقال ابن عرفة: وبساتر فقط أي وفي الجواز بساتر فقط قولا التلقين مع اللخمي عنها وابن رشد والمجموعة مع المختصر بناء على أن الحرمة للمصلين أو للقبلة، فعلم من هذا أن الراجح من القولين الجواز وهو مقتضى إطلاق المصنف. وأما إذا لم يكن ساتر ولا مرحاض وكان ذلك بالمنزل، فظاهر المدونة وكلام عياض وعبد الحق في التهذيب للمتقدمين الجواز، وظاهر كلام ابن بشير أنه لا يجوز فإنه قال: الموضع إن كان لا مراحيض ولا ساتر فلا يجوز فيه الاستقبال ولا الاستدبار، أو يكون فيه مراحيض وساتر فيجلس على ما تقتضيه المراحيض، أو يكون ساتر ولا مراحيض ففي المذهب قولان، وسبب الخلاف هل العلة حرمة المصلين فيجوز بالساتر، أو حرمة القبلة فلا يجوز أصلا انتهى. وإطلاق كلام المصنف جار على إطلاق عياض وعبد الحق، وهو الذي يفهم من كلام صاحب الطراز فإنه قال: وهل يجوز في موضع قضاء الحاجة من المدائن؟ ظاهر الكتاب يحتمله، وقد منعه مالك في مختصر ابن عبد الحكم انتهى. فجعل كلام ابن عبد الحكم مخالفا للمدونة، وحمله على أن المراد به سطح لا مرحاض فيه ولا ساتر كالفضاء الذي في المداين، وهو ظاهر كلام اللخمي فإنه قال: ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها لبول ولا غائط إذا كان في الصحارى، واختلف عن مالك في ذلك في المدائن فأجازه في المدونة. وقال: في مختصر ابن عبد الحكم: ذلك في الصحارى والسطوح التي يقدر فيها على الانحراف، وأما المراحيض التي عملت على ذلك فلا بأس. ثم قال: واختلف في تعليل الحديث فقال من نصر قول الأول: إن ذلك لحق من يصلي في الصحارى من الملائكة وغيرهم لئلا ينكشف إليهم، واحتج بحديث ابن عمر. وقيل ذلك لحرمة القبلة تعظيما وتشريفا، وهذا يستوي فيه الصحارى والمدن وهو أحسن. ثم احتج لذلك ونصره. وقد بنى المازري في المعلم الخلاف في جوازه في الشوارع التي في المدن على الخلاف في العلة المذكورة، هل هي لحرمة المصلين فيجوز أو للقبلة فلا يجوز؟ والله تعالى أعلم.
تنبيهات: الأول: في جمع المصنف الوطئ مع البول وتقديمه عليه، ودليل على أنه اختار تأويل أبي سعيد البراذعي وغيره للمدونة على مساواة حكمهما. وتأول بعضهم على أن ابن القاسم أجاز الوطئ مستقبل القبلة ومستدبرها في المدن والصحارى، والأول هو المشهور.
الثاني: قال ابن ناجي في شرح المدونة: ظاهر كلام الأكثر أن المرحاض بذاته كاف ولا يشترط الاضطرار إليه، وصرح بذلك اللخمي وابن رشد وعياض وسند، وقال ابن الحاجب: ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها إلا لمرحاض يلجأ إليه. وأراد بيلجأ إليه أنه يضطر بحيث لا يتأتى فيه قضاء الحاجة إلا مستقبلا أو مستدبرا، وأما لو تأتى فيه الانحراف لكان كالصحراء.
الثالث: ينبغي للمجامع أن يستتر هو وأهله بثوب، سواء كان مستقبل القبلة أو غير