مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٣٣٦
الله تعالى فلا معنى للنية فيه، والمطلوب نواه وأوامر، فالنواهي يخرج الانسان عن عهدتها وإن لم يشعر بها فضلا عن القصد إليها، فزيد المجهول حرم الله علينا دمه وماله وعرضه وقد خرجنا عن العهدة وإن لم نشعر به. نعم إن شعرنا بالمحرم ونوينا تركه لله تعالى حصل لنا مع الخروج من العهدة الثواب، فالنية شرط في الثواب لا في الخروج عن العهدة والأوامر منها ما يكون صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته كأداء الديون والودائع ونفقات الزوجات والأقارب فإن المقصود من هذه الأمور انتفاع أربابها وذلك لا يتوقف على قصد الفاعل، " فيخرج الانسان عن عهدتها وإن لم ينوها. ومنها ما لا يكون صورة فعله كافية في تحصيل المقصود منه كالصلوات والطهارات والصيام والنسك فإن المقصود منها تعظيم الله تعالى والخضوع له، وذلك إنما يحصل إذا قصدت من أجله، وهذا القسم هو الذي أمر الشرع فيه بالنيات.
السادس: في شروطها وهي ثلاثة: الأول: أن يتعلق بمكتسب للناوي فإنها مخصصة، وتحصيل غير المفعول للمخصص محال، وكذلك امتنع نية الانسان لفعل غيره. ويشكل على هذا الشرط نية الامام فإن صلاته حال الإمامة مساوية لصلاته حال الانفراد، والإمامة أمر نسبي والنسب عدمية والعدم لا تتعلق به قدرة العبد، فهذه النية لا بد لها من مكتسب.
وأجاب بعض العلماء بأن النية تتعلق بمكتسب ولا مكتسب استقلالا أو تبعا لمكتسب كالوجوب في صلاة الفرض والندب في صلاة الضحى، وليس الوجوب والندب بمكتسب للعبد فإن الأحكام الشرعية صفة لله تعالى قديمة فحسن القصد إليها تبعا لقصد المكتسب، فكذلك الإمامة وإن لم تكن فعلا زائدا على الصلاة إلا أنها متعلقة بمكتسب وهو الصلاة فأمكن القصد إليها تبعا.
الشرط الثاني: أن يكون المنوي معلوم الوجوب أو مظنون الوجوب، فإن المشكوك تكون النية فيه مترددة فلا تنعقد فلذلك لا تصح طهارة الكافر قبل اعتقاده الاسلام لأنهما عنده غير معلومين ولا مظنونين، ويتعلق بهذا الشرط فروع يأتي ذكرها.
الشرط الثالث: أن تكون النية مقارنة للمنوي لان أول العبادة لو عرا عن النية لكان أولها مترددا بين القربة وغيرها، وآخر الصلاة مبني على أولها. فإذا كان أولها مترددا كان آخرها كذلك، واستثنى من ذلك الصوم للمشقة فجوزوا عدم مقارنة النية لأول المنوي لاتيان أول الصوم حالة النوم غالبا، والزكاة في الوكالة على إخراجها وسيأتي الكلام على هذا الشرط أيضا.
السابع: في أقسامها. النية حقيقة واحدة لكنها تنقسم بحسب ما يعرض لها إلى قسمين: فعليه موجودة وحكمية معدومة، فإذا كان في أول العبادة فهذه نية فعلية، ثم إذا ذهل
(٣٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»
الفهرست