مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٣٣٤
من كلام القرافي أن القول الأول قول مالك. وقال في كتاب الأمنية: قال المازري في شرح التلقين: أكثر الفقهاء وأقل الفلاسفة على أن العقل في القلب، وأكثر الفلاسفة وأقل الفقهاء على أنه في الدماغ،، محتجين بأنه إذا أصيب الدماغ فسد العقل وبطلت العلوم والفكر وأحوال النفس. وأجيب بأن استقامة الدماغ لعلها شرط والشئ يفسد لفساد شرطه، ومع الاحتمال فلا جزم بل النصوص واردة بأن ذلك في القلب وذكر الآيات. ثم قال: وإذا تقرر أن العقل في القلب لزم على أصولنا أن النفس في القلب لان جميع ما ينسب للعقل من الفكر والعلوم صفات للنفس فتكون النفس في القلب عملا بظاهر النصوص. وقد قال بعض العلماء: إن النفس هي الروح وهي العقل تسمى نفسا باعتبار ميلها إلى الملاذ والشهوات، وروحا باعتبار تعلقها بالجسد تعلق التدبير بإذن الله تعالى، وعقلا باعتبار كونها محصلة للعلوم فصار لها ثلاثة أسماء باعتبار ثلاثة أحوال والموصوف واحد. وإذا كانت النفس في القلب كانت النية وأنواع العلوم وجميع أحوال النفس في القلب، والعبارة التي ذكرها في كتاب الأمنية عن المازري لم أرها في شرح التلقين في الكلام على النية، وإنما رأيت العبارة التي ذكرها المصنف في التوضيح ونقلها في الذخيرة، ولعل العبارة الأخرى ذكرها المازري في غير هذا الموضع. وزاد المازري بعد ذكره القولين: وهذا أمر لا مدخل للعقل فيه وإنما طريقه السمع، وظواهر السمع تدل على صحة القول الأول. وذكر ابن رشد نحو ما تقدم ثم قال: والتحقيق أن الجسم قالب للنفس هي فيه كالسيف في الغمد، وكالسلطان الجالس بقبته، والقلب سرير والدماغ كرسيه، وجعل الله تعالى في الرأس عشر حواس: خمسا ظاهرة: العين والاذن والشم والذوق واللمس، ويشاركه في هذا سائر البدن. وخمسا باطنة هي: الحس المشترك ومركزه مقدم الدماغ والقوة المصورة وهي أعلى منه والقوة الخيالية وهي في وسط الدماغ - والقوة الحافظة في مؤخر الدماغ والقوة الوهمية - أعلى منها - والحواس الظاهرة توصل للباطنة وهي توصل للنفس، والمحرك للحواس هو القلب اللحماني والنفس والروح بمعنى.
تنبيه: ينبني على هذا الخلاف مسألة من الجراح وهي من شج في رأسه مأمومة أو موضحة خطأ فذهب عقله، قال في المقدمات: فله على مذهب مالك دية العقل ودية المأمومة أو الموضحة، لا يدخل بعض ذلك في بعض إذ ليس الرأس عنده محل العقل وإنما محله في مذهب مالك القلب، وهو قول أكثر أهل الشرع فهو كمن فقأ عين رجل وأذهب سمعه في ضربة، وعلى مذهب ابن الماجشون إنما له دية العقل لان محله عنده وعند أبي حنيفة الرأس وهو مذهب أكثر الفلاسفة، وهو كمن أذهب بصر رجل وفقأ عينه في ضربة وهذا في الخطأ، وأما في العمد فيقتص منه من الموضحة فإن ذهب عقل المقتص منه فواضح، وإن لم يذهب فدية ذلك في مال الجاني وفي المأمومة له ديتها ودية العقل.
(٣٣٤)
مفاتيح البحث: الدية (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»
الفهرست