مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٣٣٣
في معنى قولهم النية تقبل الرفض. وقال في الذخيرة: يتعلق بها تسعة أبحاث، فذكر التسعة المذكورة وتكلم على العاشر أعني الرفض في السابع أعني بيان أقسامها. وقال ابن راشد في شرح ابن الحاجب: النظر في النية في عشرة أبحاث فذكر من العشرة التي ذكرها القرافي ثمانية وترك الثامن والتاسع وجعل بدلهما بيان محلها من الفعل وبيان كيفية تعلقها، وزاد في العاشر بيان عزوبها أيضا. فأما بيان محلها من الفعل فذكره القرافي في شروط النية، وأما كيفية تعلقها فأشار إليه في بيان حكم مشروعيتها، وأما عزوبها فذكره في أقسامها فتكون الأبحاث المتعلقة بالنية عشرة كما قال القرافي، ونحن نتكلم عليها على سبيل الاختصار.
الأول: في حقيقتها. قال النووي: هي القصد الشئ والعزيمة على فعله، ومنه قول الجاهلية: نواك الله بحفظه أي قصدك. وقال القرافي في الذخيرة: هي قصد الانسان بقلبه ما يريده بفعله، فهي من باب العز والإرادات، لا من باب العلوم والاعتقادات. والفرق بينها وبين الإرادة المطلقة أن الإرادة تتعلق بفعل الغير بخلافها كما يريد معرفة الله جل جلاله وتسمى شهوة ولا تسمى نية. والفرق بينها وبين العزم أن العزم تصميم على إيقاع الفعل، والنية تمييز له فهي أخفض منه رتبة وسابقة عليه. وقال في كتب الأمنية: هي إرادة تتعلق بإمالة الفعل إلى بعض ما يقبله لا بنفس الفعل من حيث هو فعل، ففرق بين قصدنا لفعل الصلاة، وبين قصدنا لكون ذلك قربة أو فرضا أو أداء، فالصفة المتعلقة بالايجاب والكسب تسمى إرادة، والصفة المتعلقة بإمالة ذلك الفعل إلى بعض ما يقبله تسمى نية. وتفارق النية الإرادة من وجه آخر وهو: أن النية لا تتعلق إلا بفعل الناوي والإرادة تتعلق بفعل الغير كما نريد مغفرة الله تعالى وإحسانه وليست فعلنا انتهى مختصرا. وعرفها ابن رشد بأنها صفة تتعلق بإمالة فعل الانسان نفسه إلى بعض ما يقبله.
الثاني: في بيان محلها من المكلف. قال في التوضيح: ومحل النية القلب. قال المازري: أكثر المتشرعين وأقل الفلاسفة على أن النية في القلب، وأقل المتشرعين وأكثر الفلاسفة على أنها في الدماغ. وروي عن عبد الملك في كتاب الجنايات أن العقل في الدماغ. وقال في الذخيرة: محلها القلب لأنه محل العقل والعلم والإرادة والميل والنفرة والاعتقاد. وعن عبد الملك أن العقل في في الدماغ فيلزم عليه أن النية في الدماغ، لأن هذه الاعراض كلها أعراض النفس والعقل فحيث وجدت النفس وجد الجميع قائما بها. فالعقل سجينها، والعلوم والإرادات صفاتها، ويدل على قول مالك رحمه الله تعالى قوله تعالى:
* (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) * (الحج: 46) * (ما كذب الفؤاد ما رأى) * (النجم: 11) * (أولئك كتب في قلوبهم الايمان) * (المجادلة: 22) * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) * (ق: 37) * (ختم الله على قلوبهم) * (البقرة: 7) ولم يضف شيئا من هذه إلى الدماغ. وكذلك قول المازري أكثر المتشرعين إلى آخر ما نقله عنه عياض. وفهم
(٣٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 ... » »»
الفهرست