يمسحه بيديه فقد يشكل الفرق بينهما أي بين المسح والغسل كما غلط فيه بعض المتأخرين، فلذلك احتيج إلى التنبيه على ما تقدم. وذكر ابن عرفة كلام ابن رشد المتقدم، ثم كلام ابن عبد السلام واعترض عليه في تغليطه بعض المتأخرين بأنه قصور يعني لان الخلاف منقول. وقال ابن عرفة أيضا: جعل ابن رشد مسح رأسه بما ناله من رش دون يديه مجزئا عند ابن القاسم خلاف نقل بعض شيوخنا ومن لقيناه عدم إجزائه اتفاقا انتهى.
قلت: وهو الذي حكاه الباجي عن ابن القاسم في موضعين: في العمل في الوضوء وفي باب ما جاء في مسح الرأس ولم يحك غيره، وكذلك ابن هارون ولم يحك فيه خلافا.
وحكى ابن الفرس في أحكامه القولين كما حكاهما ابن رشد سواء بسواء ثم قال: فعلى هذا يأتي الخلاف فيمن توضأ وهو منغمس في الماء والأظهر الجواز في هذه المسألة لان هذا غسل وإن لم ينقل إليه الماء بل هو أكثر من نقل الماء وليس في اللغة ما يدفع أن يسمى هذا غسلا انتهى. ثم ذكر في التوضيح الصورة الثالثة من صور النقل فقال: ومنها ما اتفق فيها على وجوب النقل وهي إذا أخذ الانسان الماء ثم نفضه من يده ومر بها بعد ذلك على العضو فلا يجزئه نص على ذلك ما لك في العتبية. ابن رشد: ولا خلاف فيه لأنه مسح وليس بغسل انتهى. والمسألة في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة وفي مختصر الواضحة. قال عبد الملك: وإن أرسل المتوضئ في غسل وجهه الماء من يديه ثم ذهب بهما إلى وجهه لا ماء فيهما إلا البلة، فعليه أن يعيد الوضوء وكل صلاة صلاها بمثل ذلك أبدا لأنه ماسح. وإنما قال الله تعالى: * (فاغسلوا) * وإنما يجوز هذا فيما ذكر الله فيه المسح وجاءت السنة بمثل الخفين والرأس والأذنين، فهذا الشأن فيه أن يأخذ الماء بيديه ثم يرسله أو يرسله باليمنى على اليسرى ثم يمسح، وكذلك سمعت أصبغ يقول في ذلك كله انتهى. وقد تقدم في الكلام على غسل الوجه عن الشيخ زروق إن نفض اليد قبل إيصال الماء إلى الوجه مبطل بالاتفاق. وكذلك صبه من دون الجبهة، وظاهر كلام ابن الفرس في أحكامه خلاف ما قال ابن رشد من الاتفاق ونصه: وقد اختلف فيمن يبل يديه بالماء ويمرهما على أعضاء الوضوء هل يجزيه ذلك أو يلزم نقل الماء إلى أعضاء الوضوء ولا يجتزئ بالبلل؟ فالمشهور في المذهب النقل.
قلت: فتحصل من هذا أن نقل الماء إلى العضو بمعنى إيصال الماء إليه واجب اتفاقا، وأما حمل الماء إليه باليد فلا يجب أما في مسألة انغماس الجنب في النهر فباتفاق، وأما في مسألة من أصاب المطر أعضاء وضوئه أو جسمه أو خاض برجليه في الماء أو توضأ في الماء، فعلى الراجح وهو مذهب ابن القاسم المفهوم من المدونة وغيرها إلا في مسألة مسح الرأس، فالراجح أنه لا يكفي مسحه بالبلل الحاصل عليه والله تعالى أعلم، ومسحه ببلل لحيته أو ذراعيه يأتي في