الوضوء أي فيجب فيه بلا خلاف. قال ابن ناجي: وحكى المسناوي قولا بأنه سنة ولا أعرفه فيتحصل في ذلك أربعة أقوال.
قلت: بل خمسة، والخامس التفرقة بين الوضوء والغسل وإنكار القول بالسنية عجيب فقد قال ابن يونس: قال ابن القصار: والتدلك في غسل الجنابة واجب عند مالك. وقال أبو الفرج المالكي وغيره: مستحب. وبالأول أقول، وابن القصار من العراقيين وهم يطلقون المستحب على السنة ذكره في التوضيح في الموالاة فتأمله والله تعالى أعلم. وقال أبو الحسن الصغير: حكى ابن بطال الاتفاق على الوضوء أنه لا بد فيه من التدلك بخلاف الغسل.
الشيخ: الفرق بينهما أن آية الوضوء فيها * (فاغسلوا) * وآية الغسل فيها * (فاطهروا) * وأحاديث الوضوء كلها تدل على التدلك، وأحاديث الغسل إنما فيها أفاض الماء واغتسل. وقال الحسن: إن ظاهر كلام ابن يونس وابن رشد وابن بشير أن الخلاف في الغسل فقط، ويتعلق به أربعة فروع:
حقيقة الدلك، ومقارنته للماء، والاستنابة فيه، ونقل الماء إلى العضو.
فرع: فأما حقيقة الدلك في الوضوء والغسل فهي إمرار اليد على العضو. قال في المدونة: وإذا انغمس الجنب في نهر ينوي به الغسل لم يجزه حتى يمر بيديه على جميع جسده، وكذلك لا يجزيه الوضوء حتى يمر بيديه على مواضع الوضوء انتهى. وقال اللخمي في باب الغسل: وعلى المغتسل والمتوضئ أن يمر اليد مع الماء في حين غسله ووضوئه، فإن انغمس في الماء في حين غسله أو صب الماء على مواضع الوضوء أو غسلها في الماء ولم يمر اليد مع ذلك لم يجزه الغسل ولا الوضوء عند مالك. ثم ذكر قول أبي الفرج أنه واجب لا لنفسه كما تقدم. وقال سيد الشيخ زروق في شرح قول الرسالة في غسل الوجه: فيفرغه عليه غاسلا له بيديه بمعنى أنه يدلكه بهما مع الماء أو أثره متصلا به دلكا وسطا إذ لا يلزمه إزالة الوسخ الخفي بل ما ظهر وحال بين مباشرة الماء للعضو. وقال في شرح الارشاد: ولا يلزم إزالة الوسخ إلا أن يكون متجسدا. وقال ابن شعبان في الزاهي: والغسل إمرار اليد على الوجه لا إرسال الماء فقط، وليس عليه أن يدلك وجهه وإن طافه وخف إمرار اليد يجزي إذا كان يقع عليه اسم الغسل، وما أنقى من بشرته فهو أفضل له إذا كان لا وقاية للوجه مما يوقي به سائر الجسد انتهى.
فرع: وأما مقارنة الدلك لصب الماء فلا شك أنه الأكمل. واختلف في اشتراط ذلك فقيل: يشترط كونه مقارنا لصب الماء ولا يكفي إذا كان عقب الصب، قال ابن فرحون في الكلام على غسل الوجه في شرح قول ابن الحاجب: الثانية غسل الوجه بنقل الماء إليه مع الدلك. قوله: مع الدلك يحتمل أن ينقل الماء إليه فيقتضي أن الدلك يشترط فيه أن يكون مقارنا لصب الماء، ولا يكفي إذا كان بأثر الصب، وهذا مذهب القابسي خلاف ما ذهب إليه ابن أبي زيد أنه يكفي كونه عقب صب الماء وهو الصحيح للزوم الحرج والمشقة بذلك انتهى.