فلينصرف، وقبله ابن رشد. وحاصله أنه بقي على الباجي قسم ثالث وهو ما إذا لم يتصل خروجه ولم يمكن التوقي منه لتكرره في كل يوم أو مرتين في اليوم خصوصا إذا لم ينضبط وقت خروجه فيتعارض فيه مفهوما كلامه الأول والثاني، لكن يترجح العمل بالمفهوم الثاني لان أصل الباب أن كل ما شق الاحتراز منه يعفى عنه، وقد تقدم أن صاحب السلس في الوجه الذي يستحب له الوضوء منه اختلف، هل يستحب له غسل فرجه منه أم لا. وتقدم في كلام صاحب الطراز في توجيه قول سحنون أنه لا يستحب غسل فرجه إن ذلك اعتبارا بسائر النجاسات السائلة كالقروح وشبهها لا تغسل إلا أن تتفاحش. وقال في الجواهر: القسم الأول من النجاسات ما يعفى عن قليله وكثيره ولا يجب أن يتفاحش جدا فيؤمر بها، وهذا القسم هو في كل نجاسة لا يمكن الاحتراز منها أو يمكن لمشقة كبرى كالجرح يمصل والدم يسيل، والمرأة ترضع، والاحداث تستنكح، والغازي يضطر إلى إمساك فرسه، وخص مالك هذا ببلد الحرب ويرجح في بلاد الاسلام انتهى. وقد أطلت في هذه المسألة لأنها محتاج إليها فتأمل ذلك منصفا.
الثاني: قوله في المدونة: وليدرأها بخرقة قال ابن ناجي: استحبابا والله تعالى أعلم.
ص: (وندب إن تفاحش كدم براغيث إلا في صلاة) ش: يعني أن الدمل والجرح إذا كانا يمصلان بأنفسهما يعفى عما يخرج منهما ولا يجب غسله ولا يستحب إلا إذا تفاحش فيستحب غسله كما يستحب غسل دم البراغيث إذا تفاحش إلا أن يتفاحش أثر الجمل والجرح وهو في الصلاة فلا يقطعها، أو لم ير ذلك إلا في الصلاة فإنه لا يقطعها، وكذلك دم البراغيث لا تقطع له الصلاة. وحكى صاحب العمدة قولين، إذا تفاحش دم البراغيث بالوجوب والاستحباب والله تعالى أعلم.
تنبيهات: الأول: قال ابن ناجي: اختلف في حد التفاحش فقيل: ما يستحيا به في المجالس من الناس، وقيل: ما له رائحة، نقلهما التادلي انتهى.
قلت: ولم يجعل ذلك صاحب الطراز خلافا ونصه: وما حد التفاحش؟ قال ربيعة: في الشئ الملازم مثل الجرح يمصل وأثر البراغيث إذا تفاحش منظر ذلك أو تغير ريحه فاغسله، وهذا حسن لأنه إذا صار إلى هذه الحالة لا يقبل صاحبه ولا يقرب إلا بتقذر وتكره انتهى.