في الوقت لا ينافي ذلك كما قال ابن غازي، إذ هو على جهة الاستحباب كما ذكره ابن رشد رحمه الله تعالى. ويرجح ما ذكره صاحب الطراز وابن هارون أن التحري إنما هو مع الضرورة وهو الظاهر فينبغي أن يعتمد إذ لا فرق بين الثوبين والثوب الواحد. وقد فرقوا بينهما بفروق ضعيفة، أحسنها ما ذكره ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح وأصله لابن العربي أن الأصل في كل واحد من الثوبين الطهارة على انفراده فيستند إلى أصل ولا كذلك الثوب الواحد، لان حكم الأصل قد بطل لتحقق حصول النجاسة فيه فيجب غسله. قال ابن عبد السلام: هكذا قالوا: ولا يخفى ما فيه فلو فصل هذا الثوب نصفين بقي وجوب الغسل على ما كان لاحتمال أن يكون القسم في محل النجاسة فيكون كل واحد منهما نجسا، وهذا هو الفرق بينه وبين الكمين على القول بالتحري فيهما وهو اختيار ابن العربي قال: ولو فصلهما جاز له التحري إجماعا يعني على القول بالتحري في الثوبين انتهى. وقال صاحب الجمع فميا إذا قسم الثوب: فلو فرضنا أنه قسم في موضع يتحقق أنه ليس فيه نجاسة بل النجاسة بعيدة منه لكان مثل أحد الكمين انتهى. وفرق بعضهم بأن الأصل عدم التحري في الثوب الواحد لثبوت النضح فيما شك في وصول النجاسة إليه ولأنه قائم بنفسه ولا يجتمع فيه الاجتهاد واليقين وهذان الوصفان غير موجودين في الثوبين.
قلت: وإذا مشينا على ما قاله سند وغيره لم يحتج لشئ من هذا والله تعالى أعلم.
وصدر صاحب الشامل بالقول بالتحري ثم قال: وقيده بعضهم بالضرورة والله تعالى أعلم.
الثاني: إذا قلنا: لا يتحرى إلا مع الضرورة فهل يكون حكمه حكم المتيمم؟ فالآيس يتحرى في أول الوقت، والراجي في آخره، والمتردد في وسطه. أو يقال: لا يصلي بالتحري إلا في آخر الوقت المختار، تردد في ذلك صاحب الجمع وفي كلامه ميل إلى الثاني. قال: والفرق بينه وبين المتيمم أن التيمم طهارة بدل عن طهارة وإزالة النجاسة لا بدل لها فيؤخر إلى آخر الوقت المختار، ثم قال: ويمكن أن يجاب) بأنه غير مصل بالنجاسة بل يحتمل احتمالا مرجوحا، انتهى.
قلت: الظاهر أنه لا يتحرى إلا مع الضرورة كما قال سند وغيره، وأنه يفصل فيه كالتيمم، وإنه إن وجد ثوبا طاهرا أو ما يغسل به يعيد في الوقت كما قاله في العتبية والله تعالى أعلم.
الثالث: إذا قلنا بالتحري مع عدم الضرورة فلا يلزمه إلا غسل أحدهما وهو ما حكم اجتهاده بأنه نجس، وهذا اختيار ابن العربي، وفرع عليه ما إذا لبسهما وصلى بهما قال:
فتجوز صلاته لان أحد الثوبين طاهر بيقين وهو الذي غسله والآخر طاهر بالاجتهاد. وقال بعض الشافعية: لا يجوز لأنه كثوب واحد بعضه نجس وبعضه طاهر. قال: وهذا قلب للحقائق لا يكون الثوبان ثوبا ولا الثوب ثوبين والله تعالى أعلم.
الرابع: لا اعتبار في إزالة النجاسة بالعدد عندنا بل المعتبر في عينها إزالة العين وفي حكمها إصابة الماء المحل، واستحب الإمام الشافعي ثلاث غسلات لحديث القائم من النوم،