باب حد الذميين إذا زنوا قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في أهل الكتاب (فإن جاءوك فاحكم بينهم) قرأ إلى (بينهم بالقسط) (قال الشافعي) رحمه الله ففي هذه الآية بيان والله أعلم أن الله تبارك وتعالى جعل لنبيه صلى الله عليه وسلم الخيار في أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم وجعل عليه إن حكم أن يحكم بينهم بالقسط والقسط حكم الله تبارك وتعالى الذي أنزل على نبيه عليه الصلاة والسلام المحض الصادق أحدث الاخبار عهدا بالله تبارك وتعالى قال الله عز وجل (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك (قال الشافعي) وفي هذه الآية ما في التي قبلها من أمر الله تبارك وتعالى له بالحكم بما أنزل الله إليه (قال) وسمعت من أرضى من أهل العلم يقول في قول الله تبارك وتعالى (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) إن حكمت لا عزما أن تحكم (قال الشافعي) وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يهوديين زنيا رجمهما وهذا معنى قوله عز وجل (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) ومعنى قول الله تبارك وتعالى (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) والدليل الواضح أن من حكم عليهم من أهل دين الله فإنما يحكم بينهم يحكم المسلمين فما حكمنا به على مسلم حكمنا به على من خالف الاسلام وحكم به عليهم ولهم (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا قال عبد الله فرأيت الرجل يخبئ على المرأة يقيها الحجارة (قال الشافعي) فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالحكم بينهم بما أنزل الله بالقسط ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم بالرجم وتلك سنة على الثيب المسلم إذا زنى ودلالة على أن ليس لمسلم حكم بينهم أبدا أن يحكم بينهم إلا بحكم الاسلام (قال الشافعي) قال لي قائل إن قول الله تبارك وتعالى (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) ناسخ لقوله عز وجل (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) فقلت له الناسخ إنما يؤخذ بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن بعض أصحابه لا مخالف له أو أمر أجمعت عليه عوام الفقهاء فهل معك من هذا واحد؟ قال لا فهل معك ما يبين أن الخيار غير منسوخ؟ قلت قد يحتمل قول الله عز وجل (وأن أحكم بينه بما أنزل الله) إن حكمت وقد روى بعض أصحابك عن سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن قابوس بن مخارق أن محمد بن أبي بكر كتب إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مسلم زنى بذمية أن يحد المسلم وتدفع الذمية إلى أهل دينها (قال الشافعي) فإذا كان هذا ثابتا عندك فهو يدلك على أن الإمام مخير في أن يحكم بينهم أو يترك الحكم عليهم ولو كان الحكم لازما للإمام في حال لزمه أن يحكم بينهم في حد واحد حد فيه المسلم ولم تحد الذمية قال وكيف لم تحد الذمية (1) من قبل أنها لم ترض حكمه وأنه مخير في أن يحكم فيها أو يدع الحكم قال فما الحال التي يلزمه فيها أن يحكم لهم وعليهم؟ قلت إذا كانت بينهم وبين مسلم أو مستأمن تباعة فلا يجوز أن يحكم لمسلم ولا عليه إلا مسلم (2) ولا يجوز أن يكون عقد بالمستأمن أمانا على ماله ودمه حتى يرجع أن يحكم عليه إلا مسلم قال فهذا زنا واحد قد رد فيه علي رضي الله عنه الذمية على أهل دينها قلنا إنه لم يكن لها بالزنا على المسلم شئ تأخذه منه ولا للمسلم عليها شئ فيحكم لها وعليها
(١٥٠)