لأنها على عاقلته ولو كان الجاني مسلما ممن لا عاقلة له كان العفو جائزا لأنها على المسلمين، ولو كان الجاني نصرانيا أو يهوديا من أهل الجزية كان العفو جائزا من قبل أنها على عاقلته فإن كان الجاني ذميا لا يجري على عاقلته الحكم أو مسلما أقر بجناية خطأ فالدية في أموالهما معا والعفو باطل لأنها وصية لقاتل وللورثة أخذهما بها، ولو كان الجاني عبدا فعفا عنه المجني عليه ثم مات جاز العفو من الثلث لأنها ليست بوصية للعبد إنما هي وصية لمولاه، ولو كان المجني عليه خطأ فقال قد عفوت عن الجاني القصاص لم يكن عفوا عن المال حتى يتبين انه أراد بعفوه الجناية العفو عن المال لأنه قد يرى أن له قصاصا، وكذلك لو قال قد عفوت عنه الجناية وما يحدث منها وعليه اليمين إن كان حيا ما عفا المال الذي يلزم بالجناية وعلى ورثته إن كان ميتا اليمين هكذا على علمهم، ولو قال قد عفوت عنه ما يلزمه من الأرش والجناية كان عفوا عن الكافر لأنه ليست له عاقلة يجري عليها الحكم وعمن أقر بالجناية خطأ ولم يكن عفوا عن العاقلة إلا أن يكون قد أراد بقوله قد عفوت عن أرش الجناية أو ما يلزمه من أرش قد عفوت ذلك عن عاقلته. ألا ترى أنه لا يلزمه من أرش الجناية شئ فإذا عفا ما لا يلزمه لم يكن عفوا ولا يكون عفوا في هذا خاصة إلا بما وصفت من أن يقول قد عفوت ما يلزم على عاقلته في أرش جنايتي أو ما يلزم من أرش جنايتي إن كان ممن لا تعقله العاقلة ولو كانت الجناية جرحا فعفا أرشه عفوا صحيحا ثم مات من الجراح فيها قولان: أحدهما: أن يجوز العفو في أرش الجناية ولا يجوز فيما زاد على قدر الجراح بالموت على أرش الجرح كأن الجرح كان يدا فعفا أرشها ثم مات فيجوز العفو في نصف الدية من الثلث ويؤخذ نصفها. والثاني: أنه لا يجوز إذا كان العقل يلزم القاتل لأن الهبة البتات في معاني الوصايا فلا تجوز لقاتل فإن كانت الجراح خطأ تبلغ دية نفس أو أكثر فعفا أرشها ثم مات جاز العفو من الثلث لأنه قد عفا الذي وجب أو أكثر منه (قال) وإذا جرح المحجور عليه بالغا أو معتوها أو صبيا فعفا أرش الجرح في الخطأ لم يجز عفوه، وكذلك في العمد الذي لا يكون فيه القود وإن عفا القود جاز عفوه فيه فإن عفا ديته في الخطأ عن عاقلة قاتله فهي وصية لغير قاتل فيمن أجاز وصيته أجاز هذا العفو في وصيته ومن لم يجزها لم يجز هذا العفو بحال.
القسامة أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه ان عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما فتفرقا في حوائجهما فأتى محيصة فأخبر ان عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير أو عين فأتى يهود فقال أنتم والله قتلتموه، فقالوا والله ما قتلناه فأقبل حتى قدم على قومه فذكر ذلك لهم فأقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل أخو المقتول فذهب محيصة يتكلم وهو الذي كان بخيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة (كبر كبر) يريد السن فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إما ان يدوا صاحبكم وإما ان يؤذنوا بحرب) فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فكتبوا إليه إنا والله ما قتلناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن (أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم) قالوا لا قال (فتحلف يهود) قالوا ليسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم بمائه ناقة