الحكم في قتل العمد (قال الشافعي) رحمه الله: من العلم العام الذي لا اختلاف فيه بين أحد لقيته فحدثنيه وبلغني عنه من علماء العرب أنها كانت قبل نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم تباين في الفضل ويكون بينها ما يكون بين الجيران من قتل العمد والخطأ فكان بعضها يعرف لبعض الفضل في الديات حتى تكون دية الرجل الشريف أضعاف دية الرجل دونه، فأخذ بذلك بعض من بين أظهرها بأقصد مما كانت تأخذ به فكانت دية النضير ضعف دية القرظي، وكان الشريف من العرب إذا قتل يجاوز قاتله إلى من لم يقتله من أشراف القبيلة التي قتله أحدها وربما لم يرضوا إلا بعدد يقتلونهم فقتل بعضهم غنى شأس بن زهير فجمع عليهم أبوه زهير بن جذيمة فقالوا له أو بعض من ندب عنهم سل في قتل شأس فقال: إحدى ثلاث لا يغنيني غيرها، قالوا وما هي قال: تحيون لي شأسا أو تملئون ردائي من نجوم السماء أو تدفعون إلي غنيا بأسرها فأقتلها ثم لا أرى أنى اخذت منه عوضا. وقتل كليب وائل فاقتتلوا دهرا طويلا واعتزلهم بعضهم فأصابوا ابنا له يقال له بجير فأتاهم فقال قد عرفتم عزلتي فبجير بكليب وكفوا عن الحرب فقالوا بجير بشسع نعل كليب فقتالهم وكان معتزلا (قال الشافعي) وقال إنه نزل في ذلك وغيره مما كانوا يحكمون به في الجاهلية هذا الحكم الذي أحكيه كله بعد هذا وحكم الله تبارك وتعالى بالعدل فسوى في الحكم بين عباده الشريف منهم والوضيع (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) فقال: إن الاسلام نزل وبعض العرب يطلب بعضا بدماء وجراح فنزل فيهم (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) إلى قوله (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) الآية والآية التي بعدها: أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا معاذ بن موسى عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال معاذ قال مقاتل أخذت هذا التفسير عن نفر حفظ معاذ منهم مجاهدا والحسن والضحاك بن مزاحم قال في قوله (فمن عفى له من أخيه شئ فأتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) الآية (قال) كان كتب على أهل التوراة أنه من قتل نفسا بغير نفس حق له أن يقاد بها ولا يعفى عنه ولا تقبل منه الدية وفرض على أهل الإنجيل أن يعفى عنه ولا يقتل ورخص لامة محمد صلى الله عليه وسلم إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا فذلك قوله عز وجل (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) يقول الدية تخفيف من الله إذ جعل الدية ولا يقتل: ثم قال (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) يقول: من قتل بعد أخذه الدية فله عذاب أليم. وقال في قوله (ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون) يقول: لكم في القصاص حياة ينتهي بعضكم عن بعض أن يصيب مخافة أن يقتل أخبرنا سفيان ابن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار قال سمعت مجاهدا يقول سمعت ابن عباس يقول كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله عز وجل لهذه الأمة (كتب عليكم القصاص في القتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شئ) قال العفو أن تقبل الدية في العمد (فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) مما كتب على من كان قبلكم (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) (قال الشافعي) وما قال ابن عباس في هذا كما قال والله سبحانه أعلم. وكذلك ما قال مقاتل (1) لأن الله عز وجل إذ ذكر القصاص. ثم
(٩)