فضلا حكم به من كان قبلي فإن رضيت بأنه مباح لي لم أحكم حتى أعلمهم إني إنما أجيز بينهم ما يجوز بين المسلمين وأرد بينهم ما يرد بين المسلمين وأعلمهم أنى لا أجيز بينهم إلا شهادة الأحرار المسلمين العدول فإن رضوا بهذا فرأيت أن أحكم بينهم حكمت وإن لم يرضوا معا لم أحكم وإن حكمت فبهذا أحكم قال وما حجتك في أن لا تجيز شهادتهم بينهم؟ قلت قول الله تبارك وتعالى (استشهدوا شهيدين من رجالكم) إلى قوله (ممن ترضون من الشهداء) وقول الله عز وجل (وأشهدوا ذوي عدل منكم) ففي هاتين الآيتين والله أعلم دلالة على أن الله عز وجل إنما عنى المسلمين دون غيرهم ولم أر المسلمين اختلفوا في أنها على الأحرار العدول من المسلمين خاصة دون المماليك العدول والأحرار غير العدول وإذا زعم المسلمون أنها على الأحرار المسلمين العدول دون المماليك فالمماليك العدول والمسلمون الأحرار وإن لم يكونوا عدولا فهم خير من المشركين كيفما كان المشركون في ديانتهم فكيف أجيز شهادة الذي هو شر وأرد شهادة الذي هو خير بلا كتاب ولا سنة ولا أثر ولا أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء؟ (قال الشافعي) ومن أجاز شهادة أهل الذمة فأعد لهم عنده أعظمهم بالله شركا أسجدهم للصليب وألزمهم للكنيسة فقال قائل فإن الله عز وجل يقول حين الوصية (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم) (قال الشافعي) والله أعلم بمعنى ما أراد من هذا وإنما يفسر ما احتمل الوجوه ما دلت عليه سنة أو أثر عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مخالف له أو أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء فقد سمعت من يتأول هذه الآية على من غير قبيلتكم من المسلمين ويحتج فيها بقول الله عز وجل (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم) إلى (الآثمين) فيقول الصلاة للمسلمين والمسلمون يتأثمون من كتمان الشهادة لله فأما المشركون فلا صلاة لهم قائمة ولا يتأثمون من كتمان الشهادة للمسلمين ولا عليهم (قال الشافعي) وسمعت من يذكر أنها منسوخة بقوله تعالى (وأشهدوا ذوي عدل منكم) والله أعلم ورأيت مفتى أهل دار الهجرة والسنة يفتون أن لا تجوز شهادة غير المسلمين العدول (قال الشافعي) وذلك قولي (قال الشافعي) وقلت لمن يخالفنا في هذا فيجيز شهادة أهل الذمة ما حجتك في إجازتها؟
فاحتج بقول الله عز وجل (أو آخران من غيركم) قلت له إنما ذكر الله جل ثناؤه هذه الآية في وصية مسلم في السفر أفتجيزها في وصية مسلم بالسفر قال لا قلت أو تحلفهم إذا شهدوا؟ قال لا قلت ولم وقد تأولت أنها في وصية مسلم؟ قال لأنها منسوخة قلت فإن نسخت فيما أنزلت فيه فلم تثبتها فيما لم تنزل فيه؟ فقال لي بعض الناس فإنما أجزنا شهادتهم للرفق بهم ولئلا تبطل حقوقهم (قال الشافعي) وقلت له كيف يجوز أن تطلب الرفق بهم فتخالف حكم الله عز وجل في أن الشهود الذين أمروا أن يقبلوا هم المسلمون؟ (قال الشافعي) وقلت له المذهب الذي ذهبت إليه خطأ من وجه منها انه خلاف ما زعمت أنه حكم الله عز وجل من أن الشهادة التي يحكم بها شهادة الأحرار المسلمين وأنا لم نجد أحدا من أئمة المسلمين يلزم قوله أجاز شهادتهم ثم خطأ في قولك طلب الرفق بهم (قال) وكيف قلت؟
أرأيت عبيدا عدولا مجتمعين في موضع صناعة أو تجارة شهد بعضهم لبعض بشئ؟ قال لا تجوز شهادتهم قلت إنهم في موضع لا يخلطهم فيه غيرهم قال وإن قلت فإن كانوا في سجن قال وإن قلت فأهل السجن والبدو الصيادون إن كانوا أحرارا غير معدلين ولا يخلطهم غيرهم شهد بعضهم لبعض؟
قال لا تجوز شهادتهم قلت فإن قالوا لك لا يخلطنا غيرنا وإن أبطلت شهادتنا ذهبت دماؤنا وأموالنا قال وإن ذهبت فأنا لم أذهبها قلت فإن قالوا فاطلب الرفق بنا بإجازة شهادة بعضنا لبعض؟ قال لا أطلب الرفق لكم بخلاف حكم الله عز وجل فإن قالوا لك وما حكم الله؟ تعالى قال الأحرار العدول