وإنما كان حد فأخذه إن كان حديثكم ثابتا عنه من المسلم ورد الذمية إلى أهل دينها لما وصفنا من أنها لم ترض حكمه وأنه مخير في الحكم لها وعليه (قال الشافعي) فقال وقد روى بحالة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب (فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة) فكيف لم تأخذوا به؟
فقلت له بحاله رجل مجهول ليس بالمشهور ولا يعرف أن جزء معاوية كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه عاملا ونحن نسألك فإن قلت ما قلنا فلم تحتج بأمر قد علمت أنه لا حجة فيه؟ وإن قلت بل نصير إلى حديث بجالة فحديث بجالة موافق لنا لأن على عمر إنما حملهم إن كان ما كان حاملا عليه المسلمين لأن المحارم لا يحللن للمسلمين ولا ينبغي للمسلم الزمزمة وهذا يدل إن كان ثابتا لي انهم يحملون على ما يحمل على المسلمون فحملتهم على ما يحمل عليه المسلمون وتبعتهم كما تتبع المسلمين قال لا قلت فقد خالفت ما رويت عن عمر قال فإن قلت اتبعهم فيما رأيت أنه تبعهم فيه عمر؟ قلت ولم تتبعهم أنت فيه إلا أنه يحرم عليهم؟ قال نعم قلت فكذلك تتبعهم في كل ما علمت أنهم مقيمون عليه مما يحرم عليهم قال فإن قلت اتبعهم في هذا الذي رويت أن عمر تبعهم فيه خاصة قال قلت فيلزمك أن تتبعهم في غيره إذا علمتهم مقيمين عليه وأن تستدل بأن عمر إنما يتبعهم في شئ بلغه أنهم مقيمون عليه مما يحرم عليهم أن يتبعهم في مثله وأعظم منه مما يحرم عليهم فيلزمك أن تعلم أن عمر صيرهم أن حكم عليهم إلى ما يحكم به على المسلمين فتعلم أن الله تبارك وتعالى أمر بالحكم بينهم بالقسط ثم حكم بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجم وهي سنته التي سن بين المسلمين وقال صلى الله عليه وسلم فيها (لا قضين فيما بينكم بكتاب الله عز وجل) ثم زعمت عن عمر أنه حرم عليهم ما يحرم على المسلمين ثم زعمت عن علي رضي الله عنه أنه دفع نصرانية إلى أهل دينها فكل ما زعمنا وزعمت حجة لنا وكل ما زعمت تعرفه ولا نعرفه نحن حجة لنا ولا يخالف قولنا وأنت تخالف ما تحتج به، قال منهم قائل وكيف لا تحكم بينهم إذا جاءوك مجتمعين أو متفرقين؟ قلت أما متفرقين فإن الله عز وجل يقول (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) فدل قول الله تبارك وتعالى (فإن جاءوك) على أنهم مجتمعون ليس إن جاءك بعضهم دون بعض ودل على أن له الخيار إذا جاءوه في الحكم أو الاعراض عنهم وعلى أنه إن حكم فإنما يحكم بينهم حكمه بين المسلمين (قال الشافعي) ولم أسمع أحدا من أهل العلم ببلدنا يخالف في أن اليهوديين اللذين رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزنا كانا موادعين لا ذميين (قال الشافعي) وقال لي بعض من يقول القول الذي أحكى خلافه أنه ليس للإمام أن يحكم على موادعين وإن رضيا حكمه وهذا خلاف السنة ونحن نقول إذا رضيا حكم الإمام فاختار الإمام الحكم حكم عليهما (قال الشافعي) وقد كان أهل الكتاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بناحية المدينة موادعين زمانا وكان أهل الصلح والذمة معه بخيبر وفدك ووادي القرى ومكة ونجران واليمن يجري عليهم حكمه صلى الله عليه وسلم ثم مع أبي بكر حياته ثم مع عمر صدرا من خلافته حتى أجلاهم عمر بما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم في ولايته وحيث تجرى أحكامه بالشام والعراق ومصر واليمن ثم مع عثمان بن عفان ثم مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم نعلم أحدا ممن سمينا حكم بينهم في شئ ولو حكموا بينهم لحفظ بعض ذلك إن لم يحفظ كله (قال الشافعي) وأهل الذمة بشر لا يشك بأنهم يتظالمون فيما بينهم ويختلفون ويتطالبون بالحقوق وأنهم يعقلون أو بعضهم مالهم وما عليهم وما نشك أن الطالب حريص على من يأخذ له حقه وأن المطلوب حريص على من يدفع عنه ما يطلب به وأن كلا قد يحب ان يحكم له من يأخذ لم ويحكم عليه من يدفع عنه وأن قد يرجو كل في حكام المسلمين والعلم يحكمهم