باب الخلاف فيما يجب به
البيع (قال الشافعي) رحمه الله فخالفنا بعض الناس فيما يجب به
البيع فقال إذا عقد
البيع وجب ولا أبالي أن لا يخير أحدهما صاحبه قبل
بيع ولا بعده ولا يتفرقان بعده (قال الشافعي) فقيل لبعض من قال هذا القول إلى أي شئ ذهبت في هذا القول؟ قال أحل الله
البيع وهذا
بيع وإنما أحل الله عز وجل منه للمشترى ما لم يكن يملك ولا أعرف
البيع إلا بالكلام لا بتفرق الأبدان فقلت له أرأيت لو عارضك معارض
جاهل بمثل حجتك فقال مثل ما قلت أحل الله
البيع ولا أعرف بيعا حلالا وآخر حراما وكل واحد منهما يلزمه اسم
البيع ما الحجة عليه؟ قال إذ نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيوع
فرسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد (قال الشافعي) قلت له ولك بهذا
حجة في النهى فما علمنا أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سن سنة في البيوع أثبت من قوله "
المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا " فإن ابن عمر وأبا برزة
وحكيم بن حزام وعبد الله بن عمرو بن العاص يروونه ولم يعارضهم أحد بحرف يخالفه عن رسول الله صلى الله وسلم وقد نهى عن الدينار بالدينارين، فعارض ذلك
أسامة بن زيد بخبر عن
النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، فنهينا نحن وأنت عن الدينار بالدينارين وقلنا هذا أقوى في الحديث ومع من خالفنا مثل ما احتججت به أن الله تعالى أحل
البيع وحرم
الربا وأن نهيه عن
الربا خلاف ما رويته ورووه أيضا عن سعد
بن أبي وقاص وابن عباس وعروة وعامة فقهاء المكيين فإذا كنا نميز بين الأحاديث فنذهب إلى الأكثر والأرجح وإن اختلف فيه عن
النبي صلى الله عليه وسلم فنرى لنا
حجة على من خالفنا أفما نرى أن ما روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يخالفه أحد برواية عنه أولى أن يثبت؟ قال بلى إن كان كما تقول قلت فهو كما أقول فهل تعلم معارضا له عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالفه؟ قال لا ولكني أقول إنه ثابت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قلت وبه أقول ولكن معناه على غير ما قلت قلت فاذكر لي المعنى الذي ذهبت إليه فيه قال
المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا في الكلام قال فقلت له الذي ذهبت إليه محال لا
يجوز في اللسان قال وما إحالته؟ وكيف لا يحتمله اللسان؟ قلت إنما يكونان قبل التساوم غير متساومين ثم يكونان
____________________
نفذ لأن أصله حلال، والبيع الفاسد لو مرت عليه الآباد واختار المشترى والبائع إنفاذه لم يجز، فإن قال إن البائع بيعا فاسدا لم يرض أن يسلم سلعته إلى المشترى وديعة فيكون أمانة، وإنما رضى بأن يسلم له الثمن، فكذلك البائع على الخيار، ما رضى أن يكون أمانة، وما رضى إلا بأن يسلم له الثمن فكيف كان في البيع الحرام عنده ضامنا للقيمة إذا لم يرض البائع أن يكون عنده أمانة ولا يكون ضامنا في البيع الحلال، ولم يرض أن يكون أمانة، وقد روى المدنيون عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سام بفرس وأخذها بأمر صاحبها، فسار له لينظر إلى مشيها فكسرت فحاكم فيها عمر صاحبها إلى رجل، فحكم عليه أنها (1) ضامنة عليه حتى يردها كما أخذها سالمة فأعجب ذلك عمر منه وأنفذ قضاءه ووافقه عليه واستقضاه، فإذا كان هذا على مساومة ولا تسمية ثمن إلا أنه من أسباب البيع فرأى عمر والقاضي عليه أنه ضامن له فما سمى له ثمن وجعل فيه الخيار أولى أن يكون مضمونا من هذا (2) وإن أصاب هذا المضمون المشترى شراء فاسدا عند المشترى رده وما نقص.