قيمتها فلم يرض جعل له أن يرجع في هبته وتكون للغرماء وإن أثابه أقل من قيمتها فرضى أجاز رضاه وإن كره ذلك الغرماء (قال الربيع) وفيه قول آخر أنه إذا وهب فالهبة باطلة من قبل أنه لم يرض أن يعطيه إلا بالعوض فلما كان العوض مجهولا كانت الهبة باطلة كما لو باعه بثمن غير معلوم كان البيع باطلا فهذا ملكه بعوض والعوض مجهول فكان بالبيع أشبه من قبل أن البيع بعوض وهذا بعوض فلما كان مجهولا بطل (قال الشافعي) ولو فاتت الهبة في يدي الموهوبة له فما أثابه فرضى به فجائز وإن لم يرض فله قيمة هبته ولو وهب رجل لرجل هبة ليثيبه الموهوبة له ثم أفلس الواهب والهبة قائمة بعينها فمن جعله على هبته أو يثاب منها كان الثواب إلى الواهب فإن رضى بقليل وكره ذلك غرماؤه جاز عليهم وكذلك لو رضى ترك الثواب وقال لم أهبها للثواب وإن لم يرض بقيمتها كان على هبته سواء نقصت الهبة أو زادت وفيها قول آخر ليس له أن يرجع فيها وإن فاتت بموت أو بيع أو عتق فلا شئ للواهب لأنه ملكه إياها ولم يشترط عليه شيئا وإذا كان على هبته ففاتت فلا شئ له لأن الذي قد كان له قد فات ولا يضمن له شئ بعينه كما يكون على شفعته فتتلف الشفعة فلا يكون له شئ.
باب حلول دين الميت والدين عليه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا مات الرجل وله على الناس ديون إلى أجل فهي إلى أجلها لا تحل بموته ولو كانت الديون على الميت إلى أجل فلم أعلم مخالفا عنه ممن لقيت بأنها حالة يتحاص فيها الغرماء فإن فضل فضل كان لأهل الميراث ووصايا إن كانت له قال ويشبه والله أعلم أن يكون من حجة من قال هذا القول مع تتابعهم عليه أن يقولوا لما كان غرماء الميت أحق بماله في حياته منه كانوا أحق بماله بعد وفاته من ورثته فلو تركنا ديونهم إلى حلولها كما يدعها في الحياة كنا منعنا الميت أن تبرأ ذمته ومنعنا الوارث أن يأخذ الفضل عن دين غريم أبيه ولعل من حجتهم أن يقولوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه دينه " (أخبرنا) إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه دينه " (قال الشافعي) فلما كان كفنه من رأس ماله دون غرمائه ونفسه معلقة بدينه وكان المال ملكا له أشبه أن يجعل قضاء دينه لأن نفسه معلقة بدينه ولم يجز أن يكون مال الميت زائلا عنه فلا يصير إلى غرمائه ولا إلى ورثته وذلك أنه لا يجوز أن يأخذه ورثته دون غرمائه ولو وقف إلى قضاء دينه علق روحه بدينه وكان ماله معرضا أن يهلك فلا يؤدى عن ذمته ولا يكون لورثته فلم يكن فيه منزلة أولى من أن يحل دينه ثم يعطى ما بقي ورثته.
باب ما حل من دين المفلس وما لم يحل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا أفلس الرجل وعليه ديون إلى أجل فقد ذهب غير واحد من المفتين ممن حفظت عنه إلى أن ديونه التي إلى أجل حالة حلول دين الميت وهذا قول يتوجه من أن ماله وقف وقف مال الميت وحيل بينه وبين أن يقضى من شاء ويدخل في هذا أنهم إذا حكموا له حكم الميت