ولم يكن لبائعه دفعه عن شئ منه حين يشرع في قبضه كله لم يجز أن يكون دينا (قال) ولو جاز هذا في اللحم جاز في كل شئ من ثياب وطعام وغيره (قال الشافعي) ولو قال قائل هذا في اللحم جائز وقال هذا مثل الدار يتكاراها الرجل إلى أجل فيجب عليه من كرائها بقدر ما سكن (قال) وهذا في الدار وليس كما قال، ولو كان كما قال أن يقيس اللحم بالطعام أولى به من أن يقيسه بالسكن لبعد السكن من الطعام في الأصل والفرع فإن قال: فما فرق بينهما في الفرع؟ قيل أرأيتك إذا أكريتك دارا شهرا ودفعتها إليك فلم تسكنها أيجب عليك الكراء؟ قال نعم قلت ودفعتها إليك طرفة عين إذا مرت المدة التي اكتريتها إليها أيجب عليك كراؤها؟ قال نعم قلت أفرأيت إذا بعتك ثلاثين رطلا لحما إلى أجل ودفعت إليك رطلا ثم مرت ثلاثون يوما ولم تقبض غير الرطل الأول أبرأ من ثلاثين رطلا كما برئت من سكن ثلاثين يوما؟ فإن قال لا قيل لأنه يحتاج في كل يوم إلى أن يبرأ من رطل لحم يدفعه إليك لا يبرئه ما قبله ولا المدة منه إلا بدفعه قال نعم ويقال له: ليس هكذا الدار فإذا قال لا قيل أفما تراها مفترقين في الأصل والفرع والاسم؟ فكيف تركت أن تقيس اللحم بالمأكول الذي هو في مثل معناه من الربا والوزن والكيل وقسته بما لا يشبهه؟ أو رأيت إذا أكريتك تلك الدار بعينها فانهدمت أيلزمني أن أعطيك دارا بصفتها؟ فإن قال لا: قيل فإذا باعك لحما بصفة وله ماشية فماتت ماشيته أيلزمه أن يعطيك لحما بالصفة؟ فإذا قال نعم قيل افتراهما مفترقين في كل أمرهما؟ فكيف تقيس أحدهما بالآخر؟ وإذا أسلف من موضع في اللحم الماعز بعينه بوزن أعطى من ذلك الموضع من شاة واحدة فإن عجز ذلك الموضع عن مبلغ ضفة السلم أعطاه من شاة غيرها مثل صفتها ولو أسلفه في طعام غيره فأعطاه بعض طعامه أجود من شرطه لم يكن عليه أن يعطيه ما بقي منه أجود من شرطه إذا أوفاه شرطه وليس عليه أكثر منه.
باب السلف في العطر وزنا (قال الشافعي) رحمه الله: وكل ما لا ينقطع من أيدي الناس من العطر وكانت له صفة يعرف بها ووزن جاز السلف فيه فإذا كان الاسم منه يجمع أشياء مختلفة الجودة لم يجز حتى يسمى ما أسلف فيه منها كما يجمع التمر اسم التمر ويفرق بها أسماء تتباين فلا يجوز السلف فيها إلا بأن يسمى الصنف الذي أسلم فيه ويسمى جيدا منه ورديئا فعلى هذا أصل السلف في العطر وقياسه فالعنبر منه الأشهب والأخضر والأبيض وغيره ولا يجوز السلف فيه حتى يسمى أشهب أو أخضر جيدا ورديئا وقطعا صحاحا وزن كذا وإن كنت تريده أبيض سميت أبيض وإن كنت تريده قطعة واحدة سميته قطعة واحدة وإن لم تسم هكذا أو سميت قطعا صحاحا لم يكن لك ذلك مفتتا وذلك أنه متباين في الثمن ويخرج من أن يكون بالصفة التي سلف وإن سميت عنبرا ووصفت لونه وجودته كان لك عنبر في ذلك اللون والجودة صغارا أعطاه أو كبارا وإن كان في العنبر شئ مختلف بالبلدان ويعرف ببلدانه أنه لم يجز حتى يسمى عنبر بلد كذا كما لا يجوز في الثياب حتى يقول مرويا أو هرويا (قال) وقد زعم بعض أهل العلم بالمسك أنه سرة دابة كالظبي تلقيه في وقت من الأوقات وكأنه ذهب إلى أنه دم يجمع فكأنه يذهب إلى أن لا يحل التطيب به لما وصفت (قال) كيف جاز لك أن تجيز التطيب بشئ وقد أخبرك أهل العلم أنه ألقى من حي وما ألقى من حي كان عندك في معنى الميتة فلم تأكله؟ (قال) فقلت له قلت به خبرا واجماعا