673 - (1) ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث منسوخا في كل حال (2) فيمسك الانسان من ضحيته ما شاء ويتصدق بما شاء (3)
(١) هنا في ب زيادة «قال».
(٢) في النسخ المطبوعة «بكل حال» وهو مخالف للأصل.
(٣) هذا ما قال الشافعي هنا، وقال في كتاب [اختلاف الحديث] (ص ٢٤٧ - ٢٤٨ من هامش الجزء ٧ من الام) بعد أن ذكر حديث عائشة:
«فيشبه أن يكون إنما نهيرسول الله صلي الله عليه وسلم عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث إذ كانت الدافة -: على معنى الاختيار، لا على معنى الفرض، وإنما قلت يشبه الاختيار لقول الله عز وجل في البدن: (فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا)، وهذه الآية في البدن التي يتطوع بها أصحابها، لا التي وجبت عليهم قبل أن يتطوعوا بها، وإنما كل النبي صلى الله عليه وسلم من هديه أنه كان تطوعا، فاما ما وجب من الهدي كله فليس لصاحبه أن يأكل منه شيئا، كما لا يكون له أن يأكل من زكاته ولا من كفارته شيئا، وكذلك إن وجب عليه أن يخرج من ماله شيئا، فأكل بعضه فلم يخرج ما وجب عليه بكماله. وأحب لمن أهدي نافلة أن يطعم البائس الفقير لقول الله:
(فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) وقوله: (وأطعموا القانع والمعتر) القانع: هو السائل، والمعتر: الزائر المار بلا وقت، فإذا أطعم من هؤلاء واحدا أو أكثر فهو من المطعمين، فأحب إلي ما أكثر أن يطعم ثلثا، ويهدي ثلثا، ويدخر ثلثا، ويهبط به حيث شاء، والضحايا من هذه السبيل، والله أعلم. وأحب إن كانت في الناس مخمصة أن لا يدخر أحد من أضحيته ولا من هديه أكثر من ثلاث، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في الدافة»:
وقال الشافعي في اختلاف الحديث أيضا (ص 136 - 137):
«وفي مثل هذا المعنى أن علي بن أبي طالب خطب الناس، وعثمان بن عفان محصور، فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، وكان يقول به، لأنه سمعه من النبي، وعبد الله بن واقد قد رواه عن النبي، وغيرهما، فلما روت عائشة أن النبي نهى عنه عند الدافة، ثم قال: كلوا وتزودوا وادخروا وتصدقوا، وروى جابر بن عبد الله عن النبي أنه نهي عن لحوم الضحايا بعد ثلاث، ثم قال:
كلوا وتزودوا وتصدقوا -: كان يجب على من علم الامرين معا أن يقول: نهي النبي عنه لمعني، فإذا كان مثله فهو منهي عنه، وإذا لم يكن مثله لم يكن منهيا عنه، أو يقول: نهى النبي عنه وقت ثم أرخص فيه بعده، والآخر من أمره ناسخ للأول. قال الشافعي: وكل قال بما سمعه من رسول الله، وكان من رسول الله ما يدل على أنه قاله على معنى دون معنى أو نسخه، فعلم الأول ولم يعلم غيره، فلو علم أمر رسول الله فيه صار اليه، إن شاء الله».
وهكذا تردد الشافعي في قوله في هذا كما ترى، فمرة يذهب إلى النسخ، ومرة يذهب إلى أن النهياختيار لا فرض، ومرة يذهب إلى ان النهي لمعنى، فإذا وجد ثبت النهي، والذي أراه راجحا عندي: أن النهي عن الادخار بعد ثلاث انما كان من النبي صلى الله عليه وسلم لمعنى دف الدافة، وأنه تصرف منه - صلى الله عليه وسلم - على سبيل تصرف الإمام والحاكم، فيما ينظر فيه لمصلحة الناس، وليس على سبيل التشريع في الأمر العام، بل يؤخذ منه أن للحاكم أن يأمر وينهى في مثل هذا، ويكون أمره واجب الطاعة، لا يسع أحدا مخالفته، وآية ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبروه عما نابهم من المشقة في هذا سألهم:
«وما ذاك»؟ فلما أخبروه عن نهيه أبان لهم عن علته وسببه، فلو كان هذا النهي تشريعا عاما لذكر لهم أنه كان ثم نسخ، أما وقد أبان لهم عن العلة في النهي فإنه قصد إلى تعليمهم أن مثل هذا يدور مع المصلحة التي يراها الإمام، وأن طاعته فيه واجبة. ومن هذا نعلم أن الأمر فيه على الفرض لا على الاختيار، وإنما هو فرض محدد بوقت أو بمعنى خاص، لا يتجاوز به ما يراه الامام من المصلحة.
وهذا معنى دقيق بديع، يحتاج إلى تأمل، وبعد نظر، وسعة اطلاع على الكتاب والسنة ومعانيهما، وتطبيقه في كثير من المسائل عسير، إلا على من هدي الله.