الرسالة - الإمام الشافعي - الصفحة ٩٣

بن حنطب رواه من طريق الشافعي ٣: ٣٥٦ -: هذا مرسل.
فأقوالهم هذه صريحة في أن المطلب - عندهم - تابعي، وان أحاديثه مرسلة، بل هو في رأيهم لم يدرك المتأخرين من الصحابة، مثل ابن عباس (المتوفى سنة ٧٠ أو قبلها) وعبد الله بن عمر (المتوفى سنة ٧٣) وان في سماعه من جابر شيئا من الشك، وجابر مات سنة ٧٣ أو سنة ٧٨ وانه أدرك سهل بن سعد (المتوفى سنة ٨٨ تقريبا) مع تصريح أبي زرعة بأنه يرجو ان يكون المطلب أدرك عائشة (وقد ماتت سنة ٥٨) فهذا أول شئ في اضطراب هذه الأقوال.
ومرجع ذلك عندي إلى أن المؤلفين في تراجم رجال الحديث لم يحرروا تواريخ الرواة من أهل مكة وأهل المدينة، واضطربت نقولهم فيها كثيرا، وقد تبين لي هذا من التتبع الكثير. ولكنهم حرروا تاريخ الرواة من أهل العراق وأهل الشام أحسن تحرير وأدقه. أو لعل هذا من نقص مجموعة التراجم التي وصلت إلينا مؤلفاتها، بفقدان كثير من الأصول القديمة التدوين.
وقد تتبعت كل الأحاديث التي رواها الشافعي من حديث (المطلب بن حنطب) من مسنده الذي جمعه أبو العباس الأصم من كتب الشافعي: فإذا هي هذا الحديثان، وحديثان آخران رواهما الشافعي عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن خالد بن رباح عن المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم ص ٢١ و ٢٨ من المسند. وحديث خامس قال فيه الشافعي: أخبرنا من لا اتهم أخبرني خالد بن رباح عن المطلب بن حنطب مرفوعا. وقال الأصم بعد ذكره: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كان الشافعي إذا قال أخبرني من لا اتهم يريد به إبراهيم بن أبي يحيى ص ٢٨، وحديث سادس قال فيه الشافعي: أخبرنا من لا اتهم حدثني عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب مرفوعا ص ٢٩ وهو في الام ١: ٢٢٤ وقال فيه الشافعي:
أخبرنا إبراهيم عن عمرو بن أبي عمرو فصرح باسم شيخه بعد أن أبهمه. وحديث سابع رواه عن إبراهيم عن عمرو عن المطلب عن جابر بن عبد الله مرفوعا ص ٦٤ وهذه الأحاديث شرحها ابن الأثير في شرح المسند، ولم يتعرض للكلام على أسانيدها.
وهناك حديث ثامن سأذكره فيما بعد - إن شاء الله - في موضعه.
وهذه الأحاديث يرويها الشافعي في معرض الاحتجاج بها، ولم يعلل اي واحد منها بالارسال، وما أظنه يدعها من غير بيان ان كانت عنده من الأحاديث المرسلة.
ومما لا موضع للريبة فيه ان هناك صحابيا قديما اسمه المطلب بن حنطب وهو المطلب بن حنطب بن الحرث بن عبيد بن عمر بن مخزوم. ذكره ابن إسحاق في السيرة فيمن أسر يوم بدر ومن عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فداء انظر سيرة ابن هشام طبعة أوروبا ص ٤٧٠ - ٤٧١ وله ترجمة في الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة. وقد ترجم له ابن حبان في الثقات فقال (نقلا عن ترتيب ثقات ابن حبان للحافظ الهيثمي، وهو مخطوط بدار الكتب المصرية: المطلب بن حنطب بن الحرث بن عبيد بن عمر بن مخزوم، أسر يوم بدر، ومن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فداء.
ومما لا شك فيه ان هذا المطلب ليس المذكور عندنا في هذه الأسانيد، بل إنه ليست له رواية أصلا.
ومما لا شك فيه أيضا ان المطلب بن حنطب الذي روى عنه مولاه عمرو بن أبي عمرو: شخص آخر متأخر عن الأول، ولكن موضع البحث والاشكال: هل كان من بني حنطب - غير المطلب الأول - ممن سمى باسم (المطلب) ناس أكثر من واحد؟ أو هو شخص واحد اختلف في نسبه فقط؟
اما انا فاني أجزم بان من سمى (المطلب) من بني حنطب - غير الأول - أكثر من واحد: اثنان أو ثلاثة، وأرجح ان الذي يروى عنه مولاه عمرو بن أبي عمرو:
صحابي، من طبقه انس بن مالك وجابر بن عبد الله، وان وجود غيره في هذا النسب هو الذي أوجب لاضطراب، وجعل بعض الحفاظ يجزم بان رواياته مرسلة، وبأنه لم يدرك عمر ولا غيره ممن ذكروهم من الصحابة.
ولايضاح ذلك أرسم شجرة لنسب هؤلاء الناس على اختلاف الروايات التي نقلتها فيما مضى، واضع بجوار كل من يسمى (المطلب) رقما يعرف به في هذه الشجرة ليكون أقرب إلى في التحدث عنهم حنطب المطلب (١) - عبد الله - المطلب (٣) عبد الله - المطلب (٢) - عبد الله - المطلب (٤) فهؤلاء أربعة يسمون (المطلب) من بني حنطب، الأول منهم لا خلاف فيه، والثلاثة الآخرون موضع البحث. ولعل هؤلاء الثلاثة قد وجدوا فعلا، وان اختلاف الروايات في هذا النسب اختلاف الاشخاص، لا اختلاف أقوال.
ولكن الذي هو موضع يقين ان المطلب رقم ٢ أقدم وجودا من المطلب رقم ٣ ومن المطلب رقم ٤ وأدلة ذلك:
أولا: ان الشافعي روى في الام ٥ / ٢٤٢: أخبرنا ابن عيينة عن عمور بن دينار عن محمد بن عباد بن جعفر عن المطلب بن حنطب: انه طلق امرأته البتة، ثم أتى عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له، فقال له عمر: ما حملك على ذلك؟ فقال: قد قلته!
فقال عمر رضي الله عنه: أمسك عليك امرأتك، فان الواحدة (لا) ثبت). ونقله الأصم في مسند الشافعي ص ٢٢١ من هامش الجزء ٦ من الام وص ٩١ من طبعة شركة المطبوعات العلمية) وذكره المزني في مختصره بدون اسناد ص ٧٤ من هامش الجزء ٤ من الام) ورواه البيهقي في السنن الكبرى من طريق الشافعي ٧: ٣٤٣.
هذا الاسناد الصحيح، واللفظ الصريح الواضح: يدل على أن المطلب بن حنطب كان رجلا في عصر عمر، وانه شافه عمر وسأله بنفسه. فمثل هذا لا يكون ممن يختلف في أنه أدرك جابر بن عبد الله، ولا عائشة، ولا غيرهما ممن ذكرنا آنفا.
تنبيه: قوله (فان الواحدة (لا) تبت) هكذا هو بزيادة (لا) في نسختي المسند المطبوعتين، ولكن في الام والبيهقي ومختصر المزني ونسخة مخطوطة عندي من المسند:
(فان الواحدة تبت) بحذف لا وكذلك في شرح ابن الأثير على المسند، وقال في شرح ذلك: يريد ان الواحدة يجوز ان يطلق عليها البتة. وعندي ان هذا خطأ ظاهر، لمنافاته أول الكلام، لان قول عمر (أمسك عليك امرأتك) دليل على أنه يقول بعد ذلك أن الطلقة الواحدة لا تكون باتة وإنما تكون رجعية. ويؤيد هذا ان المزني جاء بهذا الأثر للاستدلال به على أن الرجل لو قال لامرأته (أنت طالق بائنا كانت واحدة يملك الرجعة) هذا لفظه، فلو كانت الرواية بحذف لا كانت ردا على ما يقوله، لا دليلا له.
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 93 93 93 103 104 105 106 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الجزء الأول 5
2 رموز النسخ 6
3 الخطبة 7
4 الصلاة على النبي 16
5 باب كيف البيان 21
6 باب البيان الأول 26
7 باب الثاني 28
8 باب الثالث 31
9 باب الرابع 32
10 باب الخامس 34
11 باب ما نزل من الكتاب عاما يراد به العام ويدخله الخصوص 53
12 باب ما أنزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص 56
13 باب بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص 58
14 باب الصنف الذي يبين سياقه معناه 62
15 باب ما نزل عاما دلت السند خاصة على أنه يراد به الخاص 64
16 بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه 73
17 باب فرض الله طاعة رسول الله مقرونة بطاعة الله ومذكور كورة وحدها 79
18 باب ما أمر الله من طاعة رسول الله 82
19 باب ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى إليه وما شهد له به من ابتاع ما أمر به ومن هداه وأنه هاد لمن اتبعه 85
20 ابتداء الناسخ والمنسوخ 106
21 الناسخ والمنسوخ الذي يدل الكتاب على بعضه والسنة على بعضه 113
22 باب فرض الصلاة الذي دل الكتاب ثم السنة على من تزول عنه العذر وعلى من لا تكتب صلاته بالمعصية 117
23 الناسخ (2) والمنسوخ الذي تدل عليه السنة والاجماع 137
24 باب الفرائض التي أنزل الله (1) نصا 147
25 الفرائض المنصوصة التي (6) سن رسول الله معها 161
26 الفرض المنصوص الذي دلت السنة على أنه إنما أراد به الخاص جمل الفرائض 167
27 جمل الفرائض 176
28 في الزكاة 186
29 [في الحج] 197
30 [في العدد (7)] 199
31 [في محرمات النساء] 201
32 الجزء الثاني 204
33 [في محرمات الطعام (3)] 206
34 [فيما تمسك عنه المعتدة من الوفاة (1)] 209
35 باب العلل في الأحاديث 210
36 وجه آخر 245
37 وجه آخر 251
38 وجه آخر من الاختلاف 267
39 اختلاف الرواية على وجه غير الذي قبله 276
40 وجه آخر مما يعد مختلفا وليس عندنا بمختلف 282
41 (3) وجه آخر من الاختلاف 297
42 [في غسل الجمعة (3)] 302
43 النهى (1) عن معنى دل عليه معنى في (2) حديث غيره 307
44 النهى عن معنى أوضح من معنى قبله 313
45 النهى عن معنى يشبه الذي قبله في شئ ويفارقه في شئ غيره 316
46 باب آخر 331
47 وجه يشبه المعنى الذي قبله 335
48 [صفة نهى الله ونهى رسوله] (1) 343
49 [باب العلم] (1) 357
50 [باب خبر الواحد] (3) 369
51 الجزء الثالث 389
52 الحجة في تثبيت خبر الواحد 401
53 [باب الاجماع] (2) 471
54 [القياس] (3) 476
55 [باب الاجتهاد] (1) 487
56 [باب الاستحسان] (4) 503
57 [باب الاختلاف (1)] 560