لم يعلم بهذا الاسناد الاخر.
ومنها حديث حذيفة قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الناس، فقال: هلموا إلي. فاقبلوا إليه فجلسوا، فقال: هذا رسول رب العالمين، جبريل، نفث في روعي انه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، وان أبطأ عليها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق ان تأخذوه بمعصية الله، فان الله لا ينال ما عنده الا بطاعته.
نقله المنذري في الترغيب ٣: ٧ وقال: رواه البزار، ورواته ثقات، الا قدامة بن زائدة بن قدامة، فإنه لا يحضرني فيه جرح ولا تعديل، ونقله أيضا الهيثمي في مجمع الزوائد ٤: ٧١ وقال: رواه البزار، وفيه قدامة بن زائدة بن قدامة، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات. واني قد بحثت أيضا عن ترجمة قدامة بن زائدة فلم أجدها.
ومنها حديث أبي امامة ان رسول الله صلى اله عليه وسلم قال:
(نفث روح القدس في روعي ان نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل اجلها وتستوعب رزقها، فأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق ان تطلبوه بمعصية الله، فان الله لا ينال ما عنده الا بطاعته.
نقله الهيثمي في مجمع الزوائد ٤: ٧٢ وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفيه عفير بن معدان، وهو ضعيف. ونقله السيوطي في الجامع الصغير رقم ٢٢٧٣ ونسبه لأبي نعيم في الحلية، وأشار إليه بعلامة الضعف. وعفير - بالتصغير - بن معدان الحمصي: ضعفه العلماء، وقال أبو داود: شيخ صالح ضعيف الحديث.
وقوله أجملوا في الطلب اي اطلبوه بتؤدة واعتدال وبعد عن الافراط، واصله من الجمال، فإذا طلبوا الرزق كما أمروا كان طلبهم جميلا مقبولا.
هذا عن متني الحديثين. وما اسنادهما فإنه من المشكلات العويصة، التي لم أجد أحدا تعرض لتحقيقها، وقد تعبت في بحثه الأيام الطوال، ووصلت إلى نتيجة لا أستطيع القطع بها، وان كنت أراها أقرب إلى الصواب، وأرجح بها ان هذا الاسناد صحيح، وعساني أجد بعد نشر هذا الكتاب من يحقق ذلك من العلماء، فيؤيد ما وصلت إليه، أو ينقضه ويؤيد غيره، بالدليل القوي والحجة العلمية الواضحة، فلا مقصد لنا الا العلم الخالص. ويظهر لي ان أبا السعادات بن الأثير وجد هذا الاسناد من المشكلات فتخلى عن الكلام عليه بتة، ولم يذكر عن الحديث الا ما نقلنا عنه، ثم استمر في شرح الحديث من جهة المعنى، مخالفا بذلك عادته في شرح المسند، بتخريج كل حديث، وبيان درجته من الصحة، وكذلك فعل في كل الأحاديث التي رواها الشافعي بهذا الاسناد، وقد تتبعتها في شرحه حديثا حديثا، فلم أجده تكلم على أسانيدها.
وقد روى الشافعي الحديثين عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن حنطب عن المطلب. اما عبد العزيز وعمرو فإنهما ثقتان معروفان كما ذكرنا آنفا، وموضع الاشكال في الاسناد هو (المطلب بن حنطب) إذ ان ظاهر الاسناد الصحة، وان المطلب صحابي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عنه مولاه عمرو بن أبي عمرو. وهذا الظاهر يقويه ما نعرفه عن الشافعي من أنه لا يرى الاحتجاج بالحديث المرسل الا ان يعتضد بشئ آخر يقويه (انظر كتاب الرسالة ص ١٢٧ في الأصل وص ٦٣ في ب وص ١١٤ في س وص ١٢٢ في ج) وقد ذكر هذين الحديثين هنا - وحدهما - على سبيل الحجة والاستدلال، فلا نراه - والله أعلم - يحتج بهما الا وعنده ان اسنادهما هذا اسناد متصل غير مرسل.
ولكنا إذا رجعنا إلى ترجمة (المطلب بن حنطب) في رجال الحديث: وجدنا ما يدل على أنه عندهم غير صحابي، بل كأنه تابعي صغير.
قال الحافظ ابن حجر في التهذيب ١٠: ١٧٨ - ١٧٩: المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب بن الحرث بن عبيد بن عمر بن مخزوم المخزومي. وقيل باسقاط المطلب، وقيل: انهما اثنان. ثم ذكر الصحابة الذين روى عنهم المطلب هذا، ثم ذكر من روى عن المطلب، فذكر منهم ابنيه: عبد العزيز والحكم، ومولاه عمرو بن أبي عمرو. ثم قال: قال أبو حاتم في روايته عن عائشة: مرسلة، ولم يدركها.
وقال في روايته عن جابر: يشبه انه أدركه. وقال في روايته عن غيره من الصحابة:
مرسلة. قال: وعامة حديثه مراسيل، غير اني رأيت حديثا يقول فيه: حدثني خالي أبو سلمة. ثم نقل عن ابن سعد قال: كان كثير الحديث، وليس يحتج بحديثه، لأنه يرسل كثيرا، وليس له لقى، وعامة أصحابه يدلسون. ثم نقل توثيقه عن يعقوب بن سفيان والدارقطني وابن حبان، ثم قال: قال البخاري في التاريخ: سمع عمر، لكن تعقبه الخطيب بان الصواب: ابن عمر، ثم ساق حديثه عن ابن عمر في الوتر بركعة، وقال ابن أبي حاتم في المراسيل عن أبيه: لم يسمع من جابر، ولا من زيد بن ثابت، ولا من عمران بن حصين، ولم يدرك أحدا من الصحابة الا سهل بن سعد ومن في طبقته. وسيأتي ما يدل على أن كلام البخاري صحيح، وان تعقب الخطيب لا موضع له.
وذكر الحافظ المري في تهذيب الكمال (المخطوط بدار الكتب، وهو أصل تهذيب ابن حجر) -: قولا ثالثا في نسبه انه (المطلب بن عبد الله بن المطلب بن عبد الله بن حنطب) وذكر انه عن أبي حاتم.
وقال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل مخطوط بدار الكتب: (مطلب بن عبد الله بن مطلب بن عبد الله بن حنطب: روى عن ابن عباس مرسلا - ثم ذكر انه روى عن ابن عمر وأبي موسى وأبي رافع وأم سلمة وعائشة، وان ذلك كله مرسل - وجابر، ويشبه ان يكون أدركه. روى عنه عمرو بن أبي عمرو والأوزاعي وكثير بن زيد ومسلم بن الوليد بن رباح وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الثقفي وابناه الحكم وعبد العزيز، سمعت أبي يقول ذلك. سئل أبو زرعة عن المطلب بن عبد الله بن حنطب؟ فقال: مدني ثقة. سئل أبو زرعة: هل سمع المطلب بن عبد الله من عائشة؟ قال: نرجو ان يكون سمع منها). ونقل النووي نحو ذلك في تهذيب الأسماء واللغات ٢: ٩٨.
وقد روى البيهقي في السنن الكبرى ٧: ٧٦ حديث ما تركت شيئا الخ الذي مضى برقم 289 من طريق الشافعي بهذا الاسناد، ولم يتكلم عليه، لا هو ولا ابن التركماني في الجوهر النقي، ولكن البيهقي قال في حديث آخر للمطلب