ثانيا: ان مولاه الراوي عنه (عمرو بن أبي عمرو) تابعي، (روى عن انس وسمع منه الكثير) كما نقل ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل عن أبيه، وأنس بن مالك مات سنة ٩١ أو ٩٢ أو ٩٣ وروى أيضا عن سعيد بن جبيرالمتوفى سنة ٩٥ وهو من شيوخ مالك، ومات عمرو سنة ١٤٤.
ثالثا: ان ابن حبان ترجم له في الثقات فقال: (المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي القرشي، يروي عن عمر وأبي موسى وعائشة، روى عنه محمد بن عباد بن جعفر وأهل المدينة، وكانت أمه أم أبان بنت الحكم بن أبي العاص، وقد قيل إن أمه أم سلمة بنت الحكم بن أبي العاص بن أمية، - يعني ابن حبان بذلك ان أمه إحدى أختي مروان بن الحكم - وفد إلى هشام بن عبد الملك، فادى عنه سبعة عشر ألف دينار ، وهو المطلب بن عبد الله بن حنطب بن الحرث بن عبيد بن عمر بن مخزوم).
وهذا الذي قال ابن حبان جيد في تحرير ترجمته ونسبه، الا انه اختلط عليه الشخصان أو الثلاثة، فذكر حكاية وفوده إلى هشام بن عبد الملك، وهذه ان صحت فإنما تكون لشخص متأخر جدا عن الذي يروى عن عمر، ويكون رجلا يطلق امرأته في عهده (قبل آخر سنة ٢٣) لان هشام بن عبد الملك ولي الخلافة سنة ١٠٥ ومات سنة ١٢٥ ولو كان المطلب هذا رقم ٢ حيا في هذا العهد وهو من أهل المدينة لأدركه مالك وروى عنه، لان مالكا ولد سنة ٩٣ كما في تذكره الحفاظ ١: ١٩٨ كما روى عن مولاه عمرو، أو لنقل انه أدركه واعرض عن الرواية عنه لعلة من العلل.
رابعا: ان البيهقي روى في السنن الكبرى ٤: ٢٠ من طريق معن بن عيسى القزاز عن هارون بن سعد مولى قريش - وهو ثقة - قال: رأيت المطلب بين عمودي سرير جابر. ثم نقل عن يعقوب بن سفيان ان الأثر مروي عندهم بأنه سرير خارجة بدل جابر وان هشام بن عمار قال في روايته عن معن: سرير جابر فهذا مطلب بن عبد الله بن حنطب متأخر، حضر وفاة خارجة بن زيد بن ثابت سنة ٩٩ أو سنة ١٠٠ وقد ذكر في التهذيب في ترجمة خارجة ان المطلب يروى عنه. ولا يمكن ان يكون هو الأول الذي كان رجلا في عصر عمر، لأنه ان كان هذا كان قد عاش بعد عمر أكثر من ستين سنة، فقد ناهز الثمانين أو جاوزها اذن، ولو كان قد عمر هذا العمر لكثرت الرواية عنه، ولذكره المؤرخون في رجال الحديث، لشدة عنايتهم بعلو الاسناد، والرواية عن الشيوخ الكبار الذين يحدثونهم بروايات لا يسمعونها الا بوسائط أكثر. وهذا شئ واضح معروف عند من عرف الروايات والأسانيد وتوسع في دراستها. ولعل هذا الذي حضر وفاة خارجة هو الذي نقل ابن حبان انه وفد إلى هشام بن عبد الملك.
خامسا: ان الحافظ ابن عساكر نقل في تاريخ دمشق ٤: ٤٠١ من مختصره المطبوع بدمشق والأمير أسامة بن منقذ نقل في لباب الآداب ص ٩٥ - ٩٧ قصة فيها ان رجلا من بني أمية له قدر وخطر رهقه دين فخرد من المدينة إلى الكوفة، يقصد والى العراقخالد بن عبد الله القسري وكان واليا من قبل هشام بن عبد الملك، فلقي في طريقة رجلا أكرمه وأعطاه عطاء واسعا، أغناه عن الشخوص للأمير، وان هذا الرجل هو الحكم بن المطلب بن حنطب. وقد ترجم له ابن عساكر باسم الحكم بن المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب وخالد بن عبد الله القسري كان واليا على العراق لهشام من سنة ١٠٦ إلى سنة ١٢٠ فهذا المطلب الذي كان ابنه الحكم رجلا عظيما كريما: لعله المطلب الذي وفد إلى هشام والذي حضر وفاة جابر أو خارجة.
سادسا: ان أبا الفرج الأصفهاني نقل في الأغاني (٤: ٣٣٨ طبعة دار الكتب) ان المطلب بن عبد الله بن حنطب كان قاضيا على مكة، فشهد عنده أبو سعيد مولى فائد بشهادة، وانه رد شهادته ثم قبلها. وأبو سعيد مولى فائد: شاعر معروف، قال أبو الفرج (٤: ٣٣٠) وكان شاعرا مجيدا ومغنيا، وناسكا بعد ذلك، فاضلا مقبول الشهادة بالمدينة معدلا، وعمر إلى خلافة الرشيد. فهذا المطلب القاضي الذي قبل شهادة أبي سعيد بعد مسكه، إذ يقول له: انك ما علمت الا ذبابا حول البيت في الظلم مدمنا للطواف به في الليل والنهار -: هذا القاضي لعله كان في أوائل دولة بني العباس، اي بعد سنة ١٣٢ ولا يمكن ان يكون هو المطلب الذي طلق امرأته في عهد عمر.
سابعا: وأخيرا: ان أبا الفرج نقل في الأغاني أيضا ٤: ٣٩٤: ان ابن هرمة - بفتح الهاء واسكان الراء - قال يمدح أبا الحكم المطلب بن عبد الله:
لما رأيت الحادثات كنفنني * وأورثتني بؤسي ذكرت أبا الحكم سليل ملوك سبعة قد تتابعوا * هم المصطفون والمصفون بالكرم فلاموه، وقالوا: أتمدح غلاما حديث السن بمثل هذا؟ قال: نعم وابن هرمة هذا هو: إبراهيم بن علي بن سلمة بن هرمة، شاعر مشهور، له ترجمة في الأغاني ٤: ٣٦٧ وما بعدها قال البغدادي في الخزانة الكبرى ١:
٢٠٤ طبعة بولاق: كان من مخضرمي الدولتين، مدح الوليد بن يزيد، ثم أبا جعفر المنصور، وكان منقطعا إلى الطالبيين، وكان مولده سنة ٧٠ ووفاته في خلافة الرشيد بعد سنة ١٥٠ تقريبا. فمهما نفرض الفروض في وقت مدحه المطلب هذا، فانا واجدوه متأخرا جدا، لأنهم لا ينكرون على ابن هرمة مدحه: الا وابن هرمة قد كان شاعرا كبيرا لشعره اثر في المدح والذم، حتى ينكر المنكر عليه ان يمدح غلاما صغير السن!! فلا يكون هذا الغلام الصغير السن الا رجلا غير الذي كان ابنه الحكم من العظماء في عصر هشام بن عبد الملك.
هذه هي النصوص التي أمكن ان اجمعها بعد الفحص والتنقيب، ولم أستطع ان أجزم في هؤلاء المسمين باسم (المطلب بن حنطب) بشئ، الا بشئ واحد، هو ان (المطلب) الذي يروي له الشافعي، والذي يروى عنه مولاه (عمرو بن أبي عمرو) و (محمد بن عباد بن جعفر) -: كان رجلا في عصر عمر، وانه من المحتمل جدا بل من الراجح القريب من اليقين: انه من صغار الصحابة، من طبقة ابن عمر وجابر، وان من اليقين - الذي لا يدخله الشك -: انه ان لم يكن صحابيا فهو من كبار التابعين، وان المحدثين الذين أعلوا رواياته بالارسال وبأنه لم يدرك فلانا وفلانا من الصحابة، وانه لم يسمع منهم -: انما شبه لهم هذا بالمطلب أو بالمطلبين المتأخرين عن عصره.