أن يعهد إليه بولاية العهد كما عهد لأبيه من قبل.. وألحوا على المأمون في ذلك وقالوا هو فتى صغير. فقال لهم المأمون إن محمدا على صغر سنه، قد فاق من هم أكبر منه سنا وقدرا في العلم ووفور العقل وإن شئتم فاختبروه. فسروا بذلك واجتمع رأيهم على القاضي يحيى بن أكثم لمناظرته ووعدوه بأشياء كثيرة.
فاجتمعوا جميعا للمناظرة وبدأ القاضي يسأل ومحمدا الجواد يجيب عن كل ما سأل بوفور علم ورباطة جأش ولسان طلق.. وتعجب القوم من فصاحة لسانه وحسن اتساق منطقه ونظامه ووفور علمه ومداركه.
وسأله بعد ذلك أبو جعفر (وهذه كنيته قبل أن يكون له أولاد بل قبل الزواج) قائلا: ما تقول في رجل نظر إلى امرأة في أول النهار بشهوة، فكان نظره إليها حراما، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له، فلما انتصف الليل حرمت عليه فلما طلع الفجر حلت له. فبماذا حلت هذه المرأة لهذا الرجل وبماذا حرمت عليه في هذه الأوقات؟ فقال يحيى بن أكثم لا أدري. ثم طلب من محمد الجواد أن يحل له هذا اللغز الفقهي العويص فقال أبو جعفر محمد الجواد: هذه أمة لرجل من الناس نطر إليها بعض من الناس أول النهار بشهوة فكان نظره إليها حراما. فلما ارتفع النهار ابتاعها من صاحبها فحلت له فلما كان وقت الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار (بعتق رقبة) فحلت له. فلما كان نصف الليل طلقها طلقة واحدة فحرمت عليه، فلما كان الفجر راجعها فحلت.
فأعجب بجوابه الحاضرون وعلى رأسهم المأمون الذي قال: هل فيكم أحد يستطيع أن يجيب مثل هذا الجواب. فقالوا: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأقبل على أبي جعفر وقال إني مزوجك ابنتي أم الفضل، وإن رغم ذلك أنوف قوم. قم فاخطب لنفسك فقد رضيتك لنفسي وابنتي.
فوقف أبو جعفر وقال: الحمد لله إقرارا بنعمته ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته، وصل الله على سيدنا محمد سيد بريته والأصفياء من عترته. أما بعد،