ما كتبه الإمام علي الرضا بخطه على عهد المأمون (1) (بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الفعال لما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور. وصلواته على نبيه محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين.
(أقول وأنا علي بن موسى بن جعفر أن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ووفقه للرشاد، عرف من حقنا ما جهله غيره، فوصل أرحاما قطعت، وأمن نفوسا فزعت، بل أحياها بعد أن أمن الحياة أنسيت، فأغناها بعد فقرها، وعرفها بعد نكرها، مبتغيا بذلك رضا رب العالمين، لا يريد جزاء من غيره وسيجزي الله الشاكرين ولا يضيع أجر المحسنين.
وإنه جعل إلي عهده والامرة الكبرى إن بقيت بعده، فمن حل عقدة أمر الله بشدها أو فصم عروة أحب الله نشافها فقد أباح الله حريمه وأحل محرمه، إذ كان بذلك زاريا على الامام، منتهكا حرمة الاسلام. وخوفا من شتات الدين، واضطراب أمر المسلمين. وحذر فرصة تنتهز، وناعقة تبتدر، جعلت لله على نفسي عهدا إن استرعاني أمر المسلمين وقلدني خلافة العمل فيهم عامة، وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة، أن أعمل فيهم بطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أسفك دما حراما، ولا أبيح فرجا ولا مالا إلا ما سفكته حدوده، وأباحته فرائضه، وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي، وجعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا يسألني الله عنه، فإنه عز وجل يقول: (وأوفوا بالعهد، إن العهد كان مسؤولا). وإن أحدثت أو غيرت أو بدلت كنت للعزل مستحقا، وللنكال متعرضا وأعوذ بالله من سخطه، وإليه أرغب في التوفيق لطاعته، والحول بيني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين... وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين. لكنني امتثلت أمر أمير المؤمنين، وآثرت رضاه. والله تعالى يعصمني وإياه، وأشهدت الله على نفسي بذلك وكفى بالله شهيدا. وكتبت بخطي بحضرة أمير المؤمنين، أطال الله بقاه، والحاضرين من