أبا الحسن اركب وصل بالناس العيد. فامتنع الرضا وقال: قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط فأعفني من الصلاة (بالناس). فقال المأمون إنما أريد أن أنوه بذكرك ليشهر أمرك بأنك ولي عهدي، والخليفة من بعدي، وألح عليه في ذلك.
فقال له الرضا: إن أعفيتني من ذلك كان أحب إلي. فإن أبيت إلا أن أخرج إلى الصلاة بالناس، فإنما أخرج كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخرج للصلاة على الصفة التي كان يخرج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال المأمون: افعل كيف ما أردت. وأمر المأمون القواد والجنود أعيان دولته بالركوب في خدمته.
فلما خرج الإمام الرضا من بيته وقد لبس أفخر ثيابه وتعمم بعمامة قطن ألقى طرفا منها على عاتقه وأخذ عكازا في يده وخرج ماشيا ولم يركب. وسار بمواليه مكبرا مهللا فنزل الجند والقواد وأعيان الدولة عن خيولهم ومراكبهم وساروا بين يديه مهللين مكبرين.. وكان كلما كبر الرضا كبر الناس حتى خيل للناس أن الحيطان والجدران تجاوبهم بالتكبير وتزلزلت مرو وارتفع البكاء والضجيج.. وأسرع الفضل بن سهل إلى المأمون وقال له: (يا أمير المؤمنين تدارك الناس، واخرج وصل بهم، وإلا خرجت منك الخلافة الآن..) فبعث المأمون إلى الرضا رسولا يقول له: (قد كلفناك يا أبا الحسن. ولا نحب أن يلحقك مشقة.. ارجع إلى بيتك).. وخرج المأمون مسرعا وراءه وصلى بالناس.
من كلامه ومروياته وصفاته قال إبراهيم بن العباس: سمعت العباس يقول: ما سئل الرضا عن شئ إلا علمه ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقت عصره. وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شئ فيجيبه الجواب الشافي. وكان قليل النوم، كثير الصوم، كثير المعروف والصدقة سرا وكان جلوسه في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح.
سأله رجل ذات يوم: أيكلف الله العباد ما لا يطيقون؟ فقال: هو أعدل من ذلك. قال: فيقدرون على فعل كل ما يريدون. قال: هم أعجز من ذلك.
وسأله الفضل بن سهل في مجلس المأمون قائلا: (يا أبا الحسن: الخلق مجبرون؟ قال: إن الله تعالى أعدل من أن يجبر ثم يعذب. قال: فمطلقون؟ قال:
الله تعالى أحكم من أن يمهل عبده ويكله إلى نفسه).