بني العباس كان الأمر كذلك، وفي خلافة بني عثمان كان الأمر كذلك.
وهذا المبدأ - أي أن الخليفة هو المرجع وأنه هو صاحب الحق بتولية الخليفة الذي يليه ليكون خليفة من بعده ومرجعا - سنه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ونسج الخلفاء على منوالهما. والفرق أن أبا بكر وعمر كانا يتوخيان أن لا يسند هذا الأمر لقريب لهما، بينما كانت الأمور فيما بعد عكس ذلك، وقد جرت العادة فيما بعد واستقرت على أن يسمي رئيس الدولة الحالي خليفته من بعده ويرشحه للأمة. وقد صور هذا الأمر كأنه حق للخليفة القائم، وقد فهم كثير من علماء أهل السنة ذلك ومنهم ابن خلدون إذ يقول بالحرف: إن الإمام ينظر للناس في حال حياته ويتبع ذلك أن ينظر لهم بعد وفاته (1).
الحاكم القائم هو المرجع عند أهل السنة أهل السنة يعتبرون الخليفة الذي يتولى رئاسة الدولة ويمارسها بالفعل هو المرجع بالذات في كل الأمور الدينية والدنيوية. فأبو بكر هو المرجع الأعلى في زمانه، وعمر هو المرجع الأعلى في زمانه، وعثمان ومعاوية ويزيد ومروان بن الحكم... الخ كل واحد منهم يقوم بدور ومهمة المرجعية في زمانه. وينطبق هذا الوصف على خلفاء بني العباس وبني عثمان. فكل واحد منهم مرجع في زمانه، هو بالذات أو من يوكل له هذه المهمة. فالعبرة بالمرجعية الفعلية هو الغلبة. فالحاكم الغالب على الأمة هو وليها وإمامها ومرجعها في كافة الشؤون الدينية والدنيوية.
ذكر أبو يعلى العز فقال: روي عن الإمام أحمد ما دل على أن الخلافة تثبت بالغلبة والقهر، ولا تفتقر إلى العقد. فقال في رواية عبدوس بن مالك العطار: ومن غلب بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما برا كان أم فاجرا. وقال في رواية أبي الحارث في الإمام يخرج عليه: من يطلب الملك فيكون مع هؤلاء قوم ومع هذا قوم (تكون الجماعة مع من غلب) وذلك إعمالا للقاعدة الشرعية التي وضعها عبد الله بن عمر بن الخطاب عندما صلى بأهل المدينة يوم الحرة وقال للناس: نحن مع من غلب والناس يبايعون