المقدمة أحمدك اللهم حمدا كثيرا، بمدى علمك، وبسعة رحمتك، طيبا يليق بربوبيتك لي وبعبوديتي لك، وبنفس الكم والكيف أستغفرك من كل ذنوبي وآثامي كما أمرت، وأتوسل إليك أن تجود علي بالمغفرة كما وعدت، إنك يا مولاي لا تخلف الميعاد.
وأسألك باسمك العظيم الأعظم، وجدك الأعلى، وكلماتك التامة، أن تصلي وتسلم على رسولك محمد الذي أرسلته بالإسلام، فميزه وبينه، وسلك بمعتنقيه الصراط السوي إليك، فعبده، اللهم صلي وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، أهل الثقل والتقى، ونجوم الأمان والهدى، وسفين النجا، خصهم الله بالفضل، وقدمهم على أهل الملة، وجعل الصلاة عليهم ركنا من أركان الصلاة المفروضة على العباد، لتكون تذكرة دائمة بتلك المنزلة، (إن نفعت الذكرى) (إن الذكرى تنفع المؤمنين)، أما بعد:
فإن المنظومة الحقوقية الإلهية التي جاء بها الإسلام، ما هي في مجملها وحقيقتها، وبكل جوانبها إلا خطة إلهية متكاملة، أعدت بإحكام، ووضعت خصيصا لترشيد الجنس البشري للأقوم، ولإسعاده في الدارين، وهي بطبيعتها وبحكم تكوينها الإلهي قائمة على الجزم واليقين، بعكس المنظومات الحقوقية الوضعية المبنية أصلا على الافتراض والتخمين. ومما يؤكد الثقة المطلقة بهذه المنظومة أنها لم تبق مجرد قواعد نظرية، إنما شقت طريقها إلى عالم التطبيق، ونقلت من النظر إلى العمل، ومن الكلمة إلى الحركة، وبالتصوير الفني البطئ، عبر دعوة قادها النبي (ص) بنفسه، تمخضت عن دولة ترأسها النبي (ص) نفسه، ونتيجة تطبيق هذه المنظومة، تكونت خير أمة أخرجت للناس، وقامت أعظم دولة عرفتها البشرية، وهي دولة النبي (ص).
والنبي الكريم على فراش الموت، وبعيد انتقاله إلى جوار ربه بدأت سلسلة من