فالفاروق كان يعيش في صميم الأحداث ويتابعها متابعة دقيقة، دقيقة بدقيقة. وفي داخل السقيفة كان له الدور الأعظم، فلو أراد لكان هو الخليفة. وبعد الخروج من السقيفة ومبايعة الأكثرية الحاضرة لأبي بكر الصديق، هو بنفسه الذي قاد عملية إتمام البيعة وهو الذي صاح بالمهاجرين أنه قد بايع الصديق وبايعه الأنصار وأن عليهم أن يقوموا فيبايعوا، فنهض عثمان ومن معه من بني أمية فبايعوا الصديق. وعثمان والأمويون بأغلبيتهم هم أول من بايع الصديق، وعمر بن الخطاب نفسه هو الذي نظم الذين بايعوا أبا بكر في السقيفة وجهز منهم سرية وأخرجت عليا ومن معه من بيت فاطمة الزهراء ليبايعوا الصديق (1) وهو نفسه الذي أحضر الحطب وهم بإحراق بيت فاطمة إن لم يخرج المعتصمون به (2) وهو نفسه الذي هدد عليا بالقتل إن لم يبايع (3) ، وهو نفسه الذي أشار على أبي بكر الصديق بأن يترك لأبي سفيان ما بيده من الصدقات ليضمن ولاءه (4) وأشار عليه بأن يعين يزيد بن أبي سفيان قائدا لجيش الشام (5)، وهو القوة الهائلة التي صنعت الاستقرار لدولة أبي بكر، ولم يطل بقاء الصديق في الحكم طويلا فانتقل إلى جوار ربه وورث عمر دولة آمنة مستقرة، وانتقلت إليه السلطة بيسر وسهولة وبدون معارضة، وكأن الانتقال خطوة طبيعية تتبع خطوة، وعاجلا أم آجلا سيكتشف الباحثون أن للفاروق قدرة هائلة على التخطيط والتنظير ما توفرت لأحد قط من أقرانه (6). فقد قام بدور الهيئة التأسيسية لعصر ما بعد النبوة ورتب كل شئ لمستقبل الحكم في الإسلام، فلن يجمع الهاشميون الخلافة والنبوة أبدا، وستكون الخلافة تداولا في غيرهم، وحقا خالصا لمن غلب بغض النظر عن شرعية أو عدم شرعية وسائل الغلبة.
(١٨٦)