كيف تعمل المراجع عند أهل السنة بعد وفاة النبي وفي زمن الخلفاء الراشدين كان الخليفة هو المرجع الأعلى للمسلمين، فهو صحابي ومن العدول حقيقة وبنفس الوقت هو الخليفة، يسأل من يشاء من الصحابة ويأخذ برأيه أو برأي من يشاء. وغالبا ما كان يسأل أبو بكر وعمر القراء كعلي، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت... ولا تثريب عليه لو أخذ برأيه لأن المطلوب هو معرفة الحكم الشرعي. وفكرة عدالة الصحابة بالمعنى الذي طرحه الأمويون وروجوا له وأقروه لم تكن موجودة، والأكثرية الساحقة من الصحابة كانت أدوارهم بالمرجعية محدودة جدا بمعنى أنهم لم يكونوا مراجع.
ولم يختلف الأمر كثيرا في العهد الأموي، فمعاوية بوصفه صحابي " ومن العدول بعد أن تكرست نظرية عدالة الصحابة " أصبح هو المرجع الأعلى للمسلمين، ويمارس مرجعيته كما مارسها من سبقه بالخلافة، فله أن يسأل من يشاء ويأخذ برأي من يشاء وقد أفادته فكرة عدالة كل الصحابة لأنها جعلته من أهل الجنة وبررت له الجلوس محل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي مع أنه الطليق ابن الطليق، وبررت له أن يتمتع بنفس الصلاحيات بوصفه خليفة. وإذا تعددت آراء الذين سألهم معاوية أو الذين عرضوا عليه آراءهم فلمعاوية الحق بأن يأخذ ما يشاء ممن يشاء.
أما بالنسبة لطلاب العلوم فهم أحرار بقبول ما يرونه من آراء الصحابة في المسألة الواحدة إذا تعددت. وتتكرر الحالة مع التابعين، وتتكرر الحالة مع علماء المسلمين بعد التابعين، وتتكرر فيما يتصل بالأحزاب. وبعد زوال الخلافة الإسلامية أصبح كل عالم من علماء أهل السنة مرجعا قائما بذاته يفتي لنفسه ولأتباعه وأصبح كل حزب من الأحزاب العربية خاصة مرجعا قائما بذاته ومهمته منصبة على إثبات أنه على الحق، وتكثيف الجهود ليستحوذ وحده على السلطة في أي مصر يتواجد فيه.