وكان عمره يومئذ ستا وثمانين سنة، وكتبت نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية، تصور له المشهد الذي تم خلاله قتل عثمان، وأرسلت له قميص عثمان مضرجا بالدم، وممزقا. وبالخصلة التي نتفها محمد ابن أبي بكر من لحيته، فعقدت الشعر في زر القميص، وبعثته إلى معاوية مع النعمان بن بشير الأنصاري (150). وكان الذين قاموا باقتحام داره وقتله:
محمد بن أبي بكر، محمد بن أبي حذيفة، ابن حزم، كنانة بن بشر التجيبي، عمرو بن الحمق الخزاعي، عبد الرحمن ابن عديس البلوي، وسودان بن حمران (151).
لقد كانت حقا ثورة من أجل تثبيت العدالة الاجتماعية من جديد، ثورة شاركت فيها كل فصائل المعارضة في المجتمع، بكل همومها وأهدافها، فكل الناس قتل عثمان، وما من صغير وكبير إلا ونقم عليه. وفرضت عليه عزلة اجتماعية، ووقف منه الناس موقف الاعتراض والمداهنة والخوف، وفي كل الأحوال، كانوا يتربصون الفرصة التي سنحت لهم ليزيحوه عن الخلافة، ليزيحوا معه طغمته الطليقة. لكن هل استطاعوا ارجاع الأمور إلى نصابها، هل قضوا فعلا على النفوذ الأموي؟.
إنهم لم يفعلوا سوى أن صنعوا المنعطف الآخر، ليدخل التاريخ الإسلامي، إلى حقبة الاضطرابات الكبرى. فنفوذ بني أمية أوسع وأعمق وأقوى من أن تزيحه ثورة فقراء، وسنين من الخلافة مضت كان فيها بنو أمية على يقظة في بناء قدراتهم. إن قتل عثمان قواهم بدلا من أن يضعفهم. وما أن قتل عثمان، حتى اكفهر التاريخ عن وجوه ذميمة، طالما بيتت النفاق. مقتل عثمان كان مدخلا لفهم حقيقة التاريخ الإسلامي!.