تصور أن موقف أبو ذر من عثمان ومعاوية كان بسبب الترف وكنز الأموال وهضم حقوق الفقراء والمحتاجين. فلم يكن هذا السبب إلا ظاهر الموقف. أما باطنه فيكمن في بطلان الخط الأموي وعدم شرعيته.
إن الصدام بين أبي ذر وعثمان لم يكن وليد عصره وإنما كانت له جذوره من عصر أبي بكر وعمر حين بدأت عملية الانحراف عن خط الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن أبا ذر الذي كان يصدع بالحق في مواجهة مشركي مكة ويلاقي ما يلاقي. لم يكن ليتوقف عن الصدع بالحق في عهد أبي بكر وعهد عمر وقد روى فيه الرسول ما روى. (3).
ومن هنا يتبين لنا أن الصدام بين أبي ذر وعثمان كان صداما عقائديا. بين عقيدة ملتزمة وعقيدة مخالفة..
بين صحابي موال لآل البيت ورمز بني أمية..
بين خط آل البيت وخط بني أمية..
وعلى هذا الأساس كان حكم عثمان على أبي ذر قاسيا فهو حكم على قدر الموقف الذي اتخذه أبو ذر. ألا وهو الحكم بالنفي..
وربما يكون عثمان هو أول من طبق سنة نفي القادة والمصلحين في تاريخ الحكام الطغاة الذين هيمنوا على بلاد المسلمين.
وموقف عثمان من عمار هو نفس موقفه من أبي ذر. فكلا من أبي ذر وعمار من أتباع الإمام وموقفهما من الخط الأموي واحد وثابت. فمن ثم فقد تصدى عثمان لعمار كما تصدى لأبي ذر وقرر نفيه ليحل محل أبو ذر الذي كان قد توفي لولا تدخل الإمام الذي نهر عثمان قائلا:
إتق الله. فإنك سيرت رجلا صالحا من المسلمين فهلك في تسييرك. ثم أنت الآن تريد أن تنفي نظيره (4).
وكانت النتيجة أن هدد عثمان الإمام علي بالنفي قائلا له: أنت أحق بالنفي منه. وكان رد الإمام: إفعل إن شئت ذلك (5).