وكان قد اتسع ملكه جدا، وخطب له بالحرمين الشريفين، وباليمن لما دخلها شمس الدولة بن أيوب وملكها، وكان مولده سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وطبق ذكره الأرض بحسن سيرته وعدله.
وقد طالعت سير الملوك المتقدمين، فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز، أحسن من سيرته، ولا أكثر تحريا منه للعدل، وقد أتينا على كثير من ذلك في كتاب الباهر من أخبار دولتهم، ولنذكر هاهنا نبذة لعله يقف عليها من له حكم فيقتدي به.
فمن ذلك زهده وعبادته وعلمه، فإنه كان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف إلا في الذي يخصه من ملك كان له، قد اشتراه من سهمه من الغنيمة، ومن الأموال المرصدة لمصالح المسلمين، ولقد شكت إليه زوجته من الضائقة، فأعطاها ثلاث دكاكين في حمص كانت له، يحصل له منها في السنة نحو العشرين دينارا، فلما استقلتها قال ليس لي إلا هذا، وجميع ما بيدي أنا فيه خازن للمسلمين، لا أخونهم فيه ولا أخوض نار جهنم لأجلك. وكان يصلي كثيرا بالليل، وله فيه أوراد حسنة، وكان كما قيل:
جمع الشجاعة والخشوع لربه * ما أحسن المحراب في المحراب وكان عارفا بالفقه على مذهب أبي حنيفة، ليس عنده فيه تعصب، وسمع الحديث وأسمعه طلبا للأجر.
وأما عدله، فإنه لم يترك في بلاده على سعتها مكسا ولا عشرا، بل أطلقها جميعها في مصر والشام والجزيرة والموصل، وكان يعظم الشريعة ويقف عند أحكامها، وأحضره إنسان إلى مجلس الحكم فمضى معه إليه، وأرسل إلى القاضي كمال الدين بن الشهرزوري فقال: قد جئت محاكما فاسلك معي ما تسلك مع الخصوم، وظهر له الحق، فوهبه الخصم الذي أحضره وقال: