ثم إن المستفاد مما نقلنا - زائدا على هذا المقصود - أمور أخر نشير إليهما تتميما للفائدة:
(الأول): إن الأصل في النهي عن نقل الحديث أو إكثاره هم الخلفاء الثلاثة لا سيما عمر، فهل النهي المذكور سياسي يتعلق بمقام الخلفاء أو غير سياسي، فيه وجهان، وربما يظهر فيما بعد ما هو الصحيح منهما إن شاء الله تعالى.
(الثاني): إن الصحابة في زمن الصديق قد اختلفوا في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الاختلاف قد يكون بتكذيب بعضهم بعضا في النقل، وقد يكون بسبب تعارض الأحاديث، وهذا أيضا يرجع إلى الكذب أو الاشتباه في النقل، فإن النبي الأمين المعصوم صلى الله عليه وسلم لا يختلف كلامه ولا يتناقض قوله وعمله. وعليه فلا بد من قبول الأحاديث مع التثبت في حال الصحابة، وعدم قبول منقولاتهم بوجه مطلق فضلا عن قبول آرائهم، ولا يجوز لنا أن نعتقد فيهم ما لا يعتقد هؤلاء بأنفسهم، فإنه من الغلو والسفه.
(الثالث): ظاهر كلام أبي بكر الحكم بإهمال الأحاديث مطلقا وحصر الحلال والحرام بحلال القرآن وحرامه، وهذا أمر مهم عميق لا يدركه إلا الكاملين من المحققين.
(الرابع): يظهر من قول عمر: (ونرد عليكم) أن في أحاديث الصحابة ما هو مخالف للواقع سهوا أو عمدا، ونقل عن عمران بن حصين الصحابي - المتوفى سنة 52 ه -:
والله إن كنت لأرى أني لو شئت لحدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومين متتابعين، ولكن أبطأني عن ذلك أن رجالا من أصحاب الرسول الله صلى الله عليه وسلم سمعوا كما سمعت، وشهدوا كما شهدت، ويحدثون أحاديث ما هي كما يقولون، وأخاف أن يشبه لي كما شبه لهم،