وقد أدرك أمير المؤمنين (ع) كل ذلك وتجسدت لديه نتائج المعركة بكل فصولها إن هو استجاب لطلبهم، فآثر أن يصبر على مرارة ما جرى ويرجع بمن معه إلى العراق تاركا (صفين) وأحداثها للأجيال تستلهم من مواقف علي (ع) فيها كل معاني الخير والفضيلة والنبل والكرامة والتضحية في سبيل الله وخير الإنسانية، كما تستلهم من مواقف معاوية وحزبه فيها كل معاني الشر والرذيلة والخداع والحقد على الإسلام ودعاته المخلصين.
ولم تكن أحداث (حروراء) وما كان يجري بعدها من تحركات المنشقين عن علي (ع) بين الحين والآخر: كالخريت ومن على شاكلته إلا من فصول تلك الحلقة التي سبكها بين معاوية وحزبه من جهة، وبين الأشعث بن قيس وبقية الخونة في العراق من جهة أخرى، حتى لا يبقى لعلي (ع) من الوقت ما يتسع لمقابلة معاوية ومقاومته بواسطة أنصار معاوية في الكوفة: كالأشعث بن قيس، وشبث بن ربعي، وغيرهما ممن أغراهم معاوية بالمال والوعود إذا تم له الأمر واستولى على العراق، ولعل ذلك كان معروفا بين أكثر أهل الكوفة يومذاك.
ولم تكن طلبات المنشقين على أمير المؤمنين (ع) كالتوبة والاعتراف بالجرم وغيرهما من الطلبات إن صح ذلك إلا لتغطية المؤامرة التي تمت صياغتها بكل فصولها ومراحلها قبل معركة (صفين) كما لم تكن لطلباتهم المزعومة ذلك الصدى والأثر حتى عند من لا يؤمن بقداسة علي (ع) ليضطر أنصاره إلى تغطية ذلك بدعوى الوصاية والعصمة وغيرهما من الأفكار الشيعية كما يدعي أنصار هذا الرأي.