كان شرفهم والمنزلة التي تحصل له بذلك فهي تختص بهم، وعلمهم بهذه الحال يبعثهم على صيانته وحفظه وكلائته ليبلغ الرتبة التي يرجونها له فينالون بها أعلى المنازل ويملكون بها جميع العالم.
وأما البعداء منهم في النسب فيعجزون عن إيقاع الضرر به لموضع أهل بيته ومنعهم منه وعلمهم بحالهم وأنهم أمنع العرب جانبا وأشدهم بأسا وأعزهم عشيرة، فيصدهم ذلك عن التعرض له ويمنع من خطوره ببالهم، وهذا فصل بين حال النبي (صلى الله عليه وآله) فيما يوجب ظهوره مع انتشار ذكره والبشارة به، وبين الإمام فيما يجوز استتاره وكتم أمر ولادته، وهذا بين لمن تدبره.
وشئ آخر وهو أن ملوك العجم في زمان مولد النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكونوا يكرهون مجئ نبي يدعو إلى شرع مستأنف، ولا يخافون بمجيئه على أنفسهم ولا على ملكهم، لأنهم كانوا ينوون الإيمان به والاتباع له، وقد كانت اليهود تستفتح به على العرب وترجو ظهوره كما قال الله عز وجل: * (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) * (1) وإنما حصل للقوم الخلاف عليه والإباء له بنية تجددت لهم عند مبعثه.
ولم يجر أمر الإمام المنتظر (عليه السلام) هذا المجرى بل المعلوم من حال جميع ملوك زمان مولده ومولد آبائه، خلاف ذلك من اعتقادهم فيمن ظهر منهم يدعو إلى إمامة نفسه أو يدعو إليه داع سفك دمه واستئصال أهله وعشيرته، وهذا أيضا فرق بين الأمرين.
وشئ آخر وهو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكث ثلاث عشرة سنة يدعو بمكة إلى دينه والاعتراف بالوحدانية وبنبوته، ويسفه من خالفه ويضللهم ويسب آلهتهم،