ضوء عبادته الكثيرة لله يصل إلى درجة يجد في ذاته طائفة من الحقائق العالية ويتصور أن هذه الحقائق أفيضت وألقيت إليه من عالم الغيب فيما لا يكون لما توصل إليه من الحقائق المذكورة من منشأ سوى نفسه ذاته ليس إلا.
إن أصحاب هذه النظرية يقولون: نحن لا نشك مطلقا في صدق الأنبياء بل نعتقد بأنهم شاهدوا حقائق عالية، ولكن الكلام هو في منشأ هذه الحقائق العالية.
فالأنبياء يتصورون أن منشأ هذه الحقائق هو عالم الغيب، الخارج عن هذا العالم المادي، أي أن هذه الحقائق قد ألقيت إليهم من ذلك العالم، على حين يكون منشأ ذلك أنفسهم، لا غير.
إن هذه النظرية ليست كلاما جديدا بل هي في الحقيقة طرح مجدد لإحدى النظريات التي كانت مطروحة في العهد الجاهلي حول الوحي ولكن في لباس جديد.
وحاصل هذه النظرية هو أن الوحي ما هو إلا حصيلة تخيلات الأنبياء، ورجوعهم إلى بواطنهم وتعمقهم في نفوسهم، وأنهم بسبب كثرة التفكر في الله، وعبادته، والتفكر في إصلاح أممهم، وأقوامهم تمثلت هذه الحقائق دفعة أمام عيونهم، فظنوا أنها ألقيت إليهم من عالم الغيب. (1) وهذا هو - بشكل من الأشكال وبنحو ما - نفس تصور الجاهليين