يشرب وفي يده كأس.
فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه، وقال من أتى به: يا أمير المؤمنين لم يكن في منزله شئ مما قيل فيه ولا حالة يتعلل عليه بها. فناوله المتوكل الكاس الذي في يده فقال: يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط فأعفني منه. فعافاه وقال: أنشدني شعرا أستحسنه. فقال: لقليل الرواية للأشعار. فقال: لا بد أن تنشدني. فأنشده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القلل واستنزلوا بعد عز من معاقلهم * وأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا ناداهم صارخ من بعد دفنهم * أين الأسرة والتيجان والحلل أين الوجوه التي كانت منعمة * من دونها تضرب الأستار والكلل فأصفح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود ينتقل قد طال ما أكلوا قدما شربوا * وأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا وأشفق من حضر على أبي الحسن الهادي، وبكى المتوكل بكاء شديدا حتى بلت دموعه لحيته، وبكي من حضر ثم أمر برفع الشراب. ثم قال: يا أبا الحسن أعليك دين؟
قال: نعم أربعة آلاف دينار. فأمر بدفعها إليه ورده إلى منزله مكرما من ساعته.
وحدث يحيى بن هرثمة قال: وجهني المتوكل إلى المدينة لإشخاص علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر لشئ بلغه عنه، فلما صرت إليه ضج أهلها وعجوا ضجيجا وعجيجا ما سمعت مثله، فجعلت أسكتهم وأحلف لهم أني لم أمر فيه بمكروه، وفتشت بيته فلم أجد فيه إلا مصحفا ودعاء وما أشبه ذلك، فأشخصته وتوليت خدمته وحسنت عشرته.
فبينا أنا نائم يوما من الأيام والسماء صاحية والشمس طالعة إذ ركب وعليه ممطرة وقد عقب ذنب دابته. فعجبت من فعله. فلم يكن بعد ذلك إلا هنيهة حتى جاءت سحابة فأرخت عزاليها ونالنا من أمر عظيم جدا، فالتفت إلي وقال: أنا أعلم أنك أنكرت ما رأيت وتوهمت أني علمت من ما لا تعلمه. ليس ذلك كما ظننت