شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٩ - الصفحة ٤٨٠
مدة ملك المهدي عليه السلام بعد الخروج قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 13 ص 254 إلى ص 248 ومواضع أخرى من هذه الموسوعة القيمة، ونستدرك هيهنا عن كتبهم التي لم يدل أنها ثمان أو تسع أو عشر وغير ذلك، ونحن نذكر تلك الأحاديث إن شاء الله تعالى 1).
١) قال العلامة الشريف السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي الحسيني الموسوي الشافعي الشهرزوري المدني المتوفى بها سنة ١١٠٣ في كتابه " الإشاعة لأشراط الساعة " ص ١٠٥ ط دار الكتب العلمية في بيروت:
وردت في مدة ملك المهدي روايات مختلفة، ففي بعض الروايات يملك خمسا أسبعا أو تسعا بالترديد، وفي بعضها سبعا، وأشهرا، وفي بعضها إن قل خمسا وإن كثر فتسعا، وفي بعضها تسع عشرة سنة وأشهرا، وفي بعضها عشرين، وبعضها أربعة وعشرين، وبعضها ثلاثين، وبعضها أربعين منها تسع سنين يهادن فيها الروم.
قال ابن حجر في " القول المختصر ": ويمكن الجمع - على تقدير صحة الكل - بأن ملكه متفاوت الظهور والقوة، فيحمل الأكثر على أنه اعتبار جمع مدة الملك، والأقل على غاية الظهور والأوسط على الوسط. إنتهى.
قلت: ويدل على ما قاله وجوه:
(الأول) أنه صلى الله عليه وسلم بشر أمته وخصوصا أهل بيته ببشارات، وأن الله يعوضهم عن الظلم والجور قسطا وعدلا، واللائق بكرم الله أن يكون مدة العدل قدر ما ينسون فيه الظلم والفتن، والسبع والتسع أقل من ذلك.
(الثاني) أنه تفتح الدنيا كلها كما فتحها ذو القرنين وسليمان، ويدخل جميع الآفاق كما في بعض الروايات وبنى المساجد في سائر البلدان ويحل بيت المقدس. ولا شك أن مدة التسع فما دونها لا يمكن أن يساح فيها ربع أو خمس المعمورة سياحة فضلا عن الجهاد وتجهيز العساكر وترتيب الجيوش وبناء المساجد وغير ذلك.
(الثالث) أنه ورد أن الأعمار تطول في زمنه كما مر في سيرته، وطولها فيه مستلزم لطوله، وإلا لا يكون طولها في زمنه، والتسع وما دونه ليست من الطول في شئ.
(الربع) أنه يهادن الروم تسع سنين ويقيم بقسطنطينية سنة وبالقاطع سبعا، ومدة المسير إليها مرتين والرجوع في أثنائه يكون سنين، كثيرة كما ورد كل ذلك في الرويات، وذلك أزيد من التسع بكثير، وحينئذ فنقول: التحديد بالسبع باعتبار مدة استيلائه على جميع المعمورة، فيكون معنى الحديث أنه يملك سبعا ملكا كاملا لجميع الأرض، وذلك بعد فتحه لمدينة القاطع، وبالتسع باعتبار مدة فتحه للقسطنطينية، وبتسعة عشر باعتبار مدة قتله للسفياني ودخول أهل الاسلام كلهم في طاعتهم، فإنه يهادن الروم تسع سنين، ومدة اشتغاله بحربهم وتملكه لهم يكون نحوا من عشر سنين على طريقة جبر الكسر وبأربع وعشرين باعتبار مدة خروجه إلى الشام ودخول السفياني في بيعته، وبثلاثين باعتبار خروجه بمكة واستيلائه على أرض الحجاز، وبأربعين باعتبار مدة ملكه في الجملة مشتملة على خروجه أولا بالطائف وقتله لأمير مكة وغيبته بعد ذلك وخروج الهاشمي الخراساني وحمله السيف على عاتقه اثنين وسبعين شهرا كما في بعض الروايات.
وهذا الجمع أولى من إسقاط بعض الروايات، ولا شك أنه مقدم على الترجيح مهما أمكن. والله ورسوله أعلم بمرادهما.
على أنه لا مانع أن يكون التسع وما دونه بعد نزول عيسى وقتله الدجال، فإن عيسى لا يسلب المهدي ملكه، فإن الأئمة من قريش ما دام من الناس اثنان، وعيسى يكون من أخص وزرائه وتابعا له لا أميرا عليه ومن ثم يصلي خلفه ويقتدي به، كما يدل عليه حديث جابر عند مسلم أن عيسى عليه السلام يقول له حين يتأخر في الصلاة: إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الأمة.
وقال الفاضل الشيخ محمد السفاريني في " أهوال يوم القيامة وعلاماتها الكبرى " ص 30 ط دار المنار بالقاهرة:
وقد اختلف الروايات في مدة ملك المهدي ففي بعضها يملك خمسا أو سبعا أو ستا بالترديد، وفي بعضها: تسع عشر سنة وأشهرا، وفي بعضها: عشرين، وفي بعضها: ثلاثين، وفي بعضها أربعين منها تسع سنين يهادن الروم فيها.
ويمكن الجمع على تقدير صحة الكل بأن ملكه متفاوت الظهور والقوة فيحمل الأكثر باعتبار جميع مدة الملك منذ البيعة والأقل على غاية الظهور والأوسط على الأوسط.
قال في " الإشاعة ": وهذا الذي تقتضيه بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بالمهدي وإن الله تعالى يعوضهم عن الظلم والجور وقسطا وعدلا، واللائق بكرم الله تعالى أن تكون مدة ذلك بقدر ما ينسون فيها الظلم والجور والفتن، والسبع والتسع أقل من ذلك مع أنه في مدته تفتح الدنيا كلها كما فتحها ذو القرنين وسليمان ويدخل جميع الآفاق كما في بعض الروايات ويبني المساجد والبلدان ويحلي بيت المقدس، وهذا يقتضي مدة طويلة مع ما ورد أن الأعمار تطول في زمانه فطولها مستلزم لطول مدته والتسع ونحوها ليست من الطول في شئ ولا سيما مهادنته للروم تسع سنين ثم فتح القسطنطينية ورومية المدائن وغيرهما وهذا يقتضي طول مدته. وبالله التوفيق.
وقال المولوي علي المتقي الهندي في " البرهان " ص 163:
قلت: ذكر الشيخ أحمد بن الحجر في رسالته التي سماها " القول المختصر في علامات المهدي المنتظر " أن رواية سبع سنين هي أكثر [ها] وأشهر [ها]، ويمكن الجمع على تقدير صحة الروايات المذكورة بأن ملكه متفاوتة الظهور والقوة، فيحمل التحديد بالأكثر من السبع إلى الأربعين على أنه باعتبار مدة الملك من حيث هو هو، وبالسبع أو بأقل منها على أنه باعتبار غاية الظهور وقوته وبنحو العشرين على أنه أمر وسط بين الابتداء والانتهاء، والله أعلم.