ولكن نشأت بالبادية فأنا أعرف الرياح التي يكون وفي عقبها المطر. فلما أصبحت هبت ريح لا تخلف وشممت منها رائحة المطر فتأهبت لذلك.
فلما قدمت مدينة السلام بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري - وكان على بغداد - فقال: يا يحيى، إن هذا الرجل قد ولده رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتوكل من تعلم، وإن حرضته على قتله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خصمك. فقلت: والله ما وقفت له إلا على كل أمر جميل. فصرت إلى سامراء فبدأت بوصيف التركي وكنت من أصحابه فقال: والله لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة لا يكون المطالب بها غيري. فعجبت من قولهما، وعرفت المتوكل ما وقفت عليه وما سمعته من الثناء عليه، فأحسن جائزته وأظهر بره وتكرمته.
وقال المسعودي أيضا: وقد ذكرنا خبر علي بن محمد موسى رضي الله عنه مع زينب الكذابة بحضرة المتوكل ونزوله إلى بركة السباع وتذللها له ورجوع زينب عما ادعته من أنها ابنة الحسن بن علي بن أبي طالب وأن الله تعالى أطال عمرها إلى ذلك الوقت في كتابنا أخبار الزمان (وقد فقد هذا المؤلف العظيم).
وبالرغم من كل ذلك فإن عدة وشايات بلغت مسامع المتوكل عن الإمام علي التقي فجعله أسيرا بسامراء. وكانت هذه المدينة تعرف بالعسكر لأن المعتصم بناها لتكون معسكرا لجنده خارج بغداد، فصار الإمام يعرف بالعسكري لسجنه في مدينة العسكر عشرين سنة.
أما معجزاته التي رواه أصحابه وشيعته فمعظمها يرجع إلى حياته في سامراء. فقد روى أبو هاشم الجعفري أنه رأى مرة جماعة من الناس قادمين من المدينة إلى سامراء فخرج الإمام علي النقي من المدينة للقائهم وقد امتطى جوادا عليه سرج مذهب، فلما بلغ مكانا في الصحراء ترجل وتوسد الرمل، واغتنم أبو هاشم الفرصة ليشكو إليه حاله وضيق ذات يده. فقال الإمام: لا تحزن فسأزيل عنك همك. ثم تناول حفنة من الرمل والحصى ودفعها إليه قائلا: أيكفيك هذا؟ فارتبك أبو هاشم. ولما فتح يده بعد ذلك