فأخذها المأمون في يده فسأله الغلام وهو لا يزال في مكانه: ما في يدي؟ قال:
يا أمير المؤمنين، الله تعالى خلق بمشيئته في بحر قدرته سمكا صغارا يصيدها بزاة الملوك والخلفاء، وهم يأخذونها في أيديهم فيختبرون بها سلالة أهل بيت النبوة.
وجمع المأمون بعد ذلك بقليل مجلسا ليمتحن الإمام، ودام المجلس أياما عديدة، وقد أجاب الإمام على كل المسائل، فاندهش الناس من ذلك، فزوجه المأمون بابنته وأمر له بمال كثير. ويروى أن الإمام أطرق عند ذلك برأسه ومات بنو العباس غيظا وكمدا.
وبذلك أظهر المأمون اهتمامه المستمر وعطفه على الشيعة، وجعل ابن الإمام الرضا المتوفى تحت رعايته، وكان الإمام الفتى يأتي قصر المأمون بين آن وآخر للدرس ومحادثة العلماء الذين يجتمعون هناك، غير أن من سوء الحظ أن الرواة قد أكدوا الاعجاز في ما قد بلغه من العلم، بصرف النظر عن الحوادث التي قد تظهر دراسته. فمما يخيب الأمل مثلا أن نقرأ شهادة يحيى بن أكثم، وهو من الناس الذين أرادوا امتحان الإمام، فسأله مسائل كثيرة قبل أن يعترف بإمامته، فنجد أن كل ما ذكره هو أنه سأله: من الإمام؟ قال: أنا. قال: وما برهانك؟ فتكلمت عصى محمد التقي وقالت: إن صاحبي هذا هو إمام العصر وحجة الله.
وبعد سنة أو نحوها من زواج الإمام سمح له الخليفة أن يأخذ زوجته الصغيرة ويذهب إلى المدينة، وقد سر بنو العباس بذلك لكراهتهم أن يروا تفضيله عليهم في بغداد. فعاش في المدينة عيشة بسيطة كمن تقدمه من الأئمة مدة ثلاث سنوات، يقابل من يأتي لزيارته ويكرم الفقراء ويتحاشى التدخل في القضايا العامة. وقد صنع معجزات عدة تشبه تلك المعجزات التي صنعها باقي الأئمة كإخباره بأن جارية معينة ستحمل بغلام لرجل، وجعل شجرة تحمل فاكهة، بينما صلى عدة ركعات عند قبر النبي، وأفرح عجوزا بإحيائه بقرة ميتة لها.
أما حياته مع زوجته زينب بنت الخليفة - وتعرف بأم الفضل - فيقال: إنها لم تكن