ويحكم أنا أعرف به منكم، إنه من أهل بيت علمهم من الله، ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا، وإن شئتم فامتحنوه حتى يتبين لكم ذلك فجمع الجواد بقاضي القضاة يحيى بن أكثم في مجلس من مجالس المأمون وسأل وامتحن الإمام الفتى. سأله ابن أكثم عن محرم قتل صيدا. فقال الجواد: هل قتله في حل أو حرم؟ عالما كان أو جاهلا؟ عمدا كان أخطأ، حرا كان المحرم أو عبدا، صغيرا كان أو كبيرا، مبتدأ كان أو معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الطير أم من كباره؟ مصرا كان على ما فعل أو نادما؟ في الليل كان الصيد أو في النهار؟ وفي عمرة كان ذلك أو في حجة؟ فتحير قاضي القضاة ابن أكثم وبان عليه العجز والانقطاع حتى عرف أهل المجلس أمره.
فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق، إن أهل البيت خصوا من دون الخلق بما ترون من الفضل، وإن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال.
بعد البلوغ (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما) (22 - يوسف: 12) علم لدني حصل له دون تعليم، إلهام كالنكت في القلب، والنقر في الآذان! والرؤيا الصادقة في المنام! وفريق آخر ينكر هذه المصادر للمعرفة ويرى أن علمه كان مستمدا من الكتب التي ورثها من أبيه.
ومنهم الشريف علي الحسيني فكري القاهري في " أحسن القصص " (ج 4 ص 295 ط بيروت) قال:
لقد أحسن المأمون إليه، وقربه وبالغ في إكرامه، ولم يزل مشغوفا به لما ظهر له من فضله وعلمه، كمال عقله، وظهور برهانه، مع صغر سنه، وعزم على تزويجه بابنته أم الفضل وصمم على ذلك فمنعه العباسيون من ذلك خوفا من أن يعهد إليه كما عهد إلى أبيه من قبل.