أبدل الخضرة بالسواد. وقد فعل ذلك لضرورة سياسية ضد رغبته الشخصية. فإنه لم يكتف بتعيين الشيعة البارزين من الفرس في الوظائف المهمة بل أظهر عطفا شديدا نحو بيت الإمام الرضا المتوفى. فاختار أحد أخوته ليحج بالناس. ولم تمض مدة طويلة حتى زوج ابنته أم الفضل إلى محمد التقي بن علي الرضا، ويقول اليعقوبي: إنه أمر له بألفي ألف درهم، وقل: إني أحببت أن أكون جدا لمرء ولده رسول الله وعلي ابن أبي طالب.
وكان عمر محمد التقي - ويلقب حينا بالجواد - تسع سنين (أو سبعا على قول آخرين) عند وفاة أبيه، وكان بالمدينة آنئذ، وكان صغر سنه سببا في شك كثيرين من الشيعة بإمامته، فلما جاء موسم الحج ذهب عدد من رجالهم البارزين وعلمائهم من مختلف البلاد إلى الحج، فلما رأوه زال الشك عن قلوبهم. ويروي الكليني أن المتولي سأله ثلاثين ألف مسألة يمتحنه بها فأجاب عنها جميعا ودام ذلك ثلاثة أيام.
وأمه ليست أم حبيب بنت المأمون بل أم ولد مشكوكا في أصلها، ويقول الكليني:
إنها نوبية واسمها سبيكة. وقيل أيضا: إن سمها كان خيزران وهي رومية.
وروي أنها كانت من أهل بيت مارية أم إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويروي الشيعة قصة طريفة عن أول لقاء بين الخليفة المأمون ومحمد التقي وهو صبي. فيظهر أنه جاء إلى بغداد بعد وفاة أبيه بمدة قصيرة.
وصادف أن خرج المأمون يوما إلى الصيد ومعه بزاته، فاجتاز بطرف البلد في طريقه والصبيان يلعبون ومحمد التقي واقف معهم وعمره إذ ذاك نحو 11 سنة. فلما أقبل الخليفة انصرف الصبيان هاربين ووقف محمد فلم يبرح مكانه، فنظر إليه المأمون ثم سأله: يا غلام ما منعك من الانصراف؟ فقال: يا أمير المؤمنين لم يكن الطريق ضيقة فأوسعه لك بذهابي ولم يكن لي جريمة فأخشاه، وظني بك حسن أنك لا تضر من لا ذنب له فوقفت. فأعجب المأمون كلامه وساق جواده إلى وجهته.
فلما بعد من العمارة أخذ بازيا فأرسله على دراجة فعاد وفي منقاره سمكة صغيرة،