ولا في النجاة، لكنهم كانوا في منتهى الشجاعة، يفدون الحسين رضي الله عنه بأرواحهم، وقد فتك العدو بهم فتكا مروعا، ولم يشفق عليهم ولم يرع حرمتهم، وقد أثنى الحسين على أصحابه وأهل بيته.
قال علي بن الحسين: جمع الحسين أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد، وذلك عند قرب المساء، فدنوت منه لأسمع وأنا مريض، فسمعت أبي وهو يقول لأصحابه:
" أثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمده على السراء والضراء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ولم تجعلنا من المشركين.
أما بعد، فإني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعا خيرا. ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا. ألا وإني قد رأيت لكم فانطلقوا جميعا فليس عليكم مني ذمام، هذا ليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله، فإن القوم إنما يطلبوني ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري ".
أراد الحسين بذلك أن ينصرف عنه أصحابه وأهل بيته ويتفرقوا في المدن ولا يقتلوا لأجله ويبقى هو وحده، فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبدا.
والذي بدأ بهذا القول العباس بن علي - وهو أخوه من أبيه. ثم إنهم تكلموا بهذا ونحوه فقال الحسين عليه السلام: يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أذنت لكم.
قالوا: فما يقول الناس، يقولون إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا، لا والله لا نفعل، ولكن نفديك بأرواحنا وأموالنا وأهلنا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، قبح الله العيش بعدك.
وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال: " أنحن نتخلى عنك ولما نعذر إلى الله