حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ١٠٠
كان سلطان الإسلام هذا الذي أحرزه النبي بنصره العظيم يدعوه إلى الحزن من حيث يدعوه إلى السرور، ويجلب له الهم من حيث يجلب له الاغتباط، فهو يعلم أن سلطانه بما أتيح له من موارد الفئ، وسعة النفوذ، سلطان مغر في ذاته، يزل الأقدام، ويزيغ الأبصار، ويحرج الصدور، فلو انتهى إلى صاحبه، أو انتهى إليه صاحبه في مجتمع سليمة نياته، نقيات ضمائره، لم يكد يسلم لصاحبه، ولم يكد صاحبه يسلم له إلا بشق الأنفس، فكيف وهو يعهد في هذا المجتمع أدهى ما يعهد الإنسان من نفاق، ويرى فيه إلى المنافقين مستوفزين متحفزين يأتمرون بالخلافة ويستعدون لها فلا يصدهم عنها إلا وجوده الكريم، يعيد نظره إليهم فيجدهم يغلون بالتحفز والتوفز حتى يروا إلى وجوده هو وقد عاد عبئا ثقيلا عليهم، فهم ينتظرون انقضاءه ساعة فساعة، ويتمنون ارتفاعه لحظة فلحظة (1) ليثبوا إلى مطامعهم من نقل السلطان - كما كانوا

(1) مما اتفقت عليه السير والأحاديث أن النبي في مرضه الأخير كان يأبى على زوجاته شرب ما يقدمنه إليه من دواء، وأنهن اغتنمن فرصة إغمائه مرة فسقته في إغمائه ميمونة بنت الحرث بعض الجرعات، فلما أفاق غضب وأمر جميع من حضر أن يشربوا مما شرب وكانت ميمونة صائمة فأمرها أن تشرب ولم يستثن إلا عمه العباس، ولم يغضب هذه الغضبة إلا نتيجة لشكه بمن حوله من عضوات تلك الأحزاب، ثم لم يشك بمن حوله من (حبيباته) إلا نتيجة لنشاط تلك الأحزاب الخارجي، والمعروف أن النبي خولف أمره في هذه السنة أكثر من مرة، ولو اتسعت حياته قليلا لكان له مع هؤلاء تدبير ولكنه عز وجل، ولم يشأ هو أن يعجل حرصا على سلامة الإسلام.
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»
الفهرست