بخندق يكبح جماحهم، فإذا تمرد عليه منهم متمرد كان الموت له بالمرصاد.
ولم يتفرق القوم إلى بيوتهم بل نهضوا - وعلى رأسهم النبي - إلى مباشرة الحفر، وأمر النبي بالفؤوس والمساحي والمكاتل من آلات الحفر، وبدأ باسم الله، فكان أول ضارب في خط الخندق، وأول مغبر بترابه، وأول مالئ مكتل (قفة) من حفره. وكان - وهو ماض في الحفر - يشجع المسلمين على المضي وبذل الوسع في العمل بهذه السجعة " اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر إلى الأنصار والمهاجرة " فأما الذين خلصت قلوبهم للإسلام، فيمضون كما يشاء النبي سراعا خفافا ينفذون إلى أحشاء الأرض، وأما المنافقون فيمضون وأنين متثاقلين، لا يرسلون أيديهم في العمل إلا رياء، فإذا سنحت لهم غفلة تسللوا من الخندق إلى بيوتهم لواذا، واستخفوا بين جدرانها متساقطين هما وإعياء، حتى حكى الله قصة هؤلاء لنبيه وحيا فقال: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا، قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب ليم). كما حكى قصة المؤمنين الذين لا ينصرفون من عملهم إذا عرضت لأحدهم حاجة إلا بعد إذن النبي فقال: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله