قال المحدث: وقد اختار عمار هذا الحزب القليل، وبرر قلته عنده كون النبي إلى جانبه، وكون زعيمه علي محسودا بتأييد النبي له، وبفضائل ليس لحاسديه واحدة منها، وكونه الحزب المترفع بالحق، المرجو له، فلا يصطنع الدسائس، ولا يتمرغ في الأوحال، وسائله للوصول شريفة كغاياته، فلو خير بين الوصول منحرفا، وبين التأخر مستقيما، لم يتردد بإيثار التضحية على العافية. وكان استعداده للتضحية من أكبر عوامل قلته وكثرة غيره، وقد رأيناه بعد ذلك مستقيما على طريقته يرى النجاح - كل النجاح - بانتشار الإسلام وعلو كلمته، ثم لا يقيم لنجاحه الشخصي أي وزن، وبهذا كان له أوفر حظوظ الناجحين في التاريخ.
قال المحدث: ولم يكن اختيار عمار حزب الأقلية حبا بالبلاء ولا شهوة للانفراد، وإنما كان نتيجة لانصهاره بوهج الحرارة النبوية، التي نبضت بها دقات حياته منه انتشرت أشعة الإسلام، وقد بلغت هذه الحرارة أقصى درجاتها في آخر سنة من حياة النبي. وما كان عمار غائبا تلك السنة، بل كان كالعهد به قريبا من النبي يمتلئ منه صمته المفكر وعيا وإيمانا وعلما، وكان النبي في هذه السنة قلقا على مصير الإسلام، مؤرقا تزعجه فتقسو في إزعاجه فتن يراها مقبلة كقطع الليل المظلم، وكان يهب أنشط ما كان لدفع هذه الفتن لا يرى أحدا قويا على دفعها بعده غير (علي) فيحصر همه من سنته تلك، ويفرغ جهده لا للنص على أبي الحسن فقط، بل على إيصاله