حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ٧٣
مجتمعة؟ ما ندري ولكن الأمر الذي لا شك فيه أن أبا جهل جن بعد منصرف أبي القاسم - صلى الله عليه وآله - فأمر بالسياط - وقد أزيحت الصخور عن صدور فرائسه - فاختلفت قبضاتها الشداد الغلاظ على رؤوس المساكين وصدورهم وجنوبهم لا تبالي أين تقع، ثم أمر بالحراب والمشاعل فشرعت هذه من هنا، وتلك من هناك لا تبالي هذه ولا تلك أين تقع، فإذا عجز الجلادون ولم يظفروا من المجلودين بغير الصبر والثبات، قال أبو جهل: نحوا هذه الآلات من سياط ورماح ومشاعل، وغطوا هؤلاء الأشقياء بالماء، أخمدوا أنفاسهم غرقا.
ويخرج آل ياسر من الماء، ويلتقطون من جحيمهم أنفاسا تلهج بحمد الله والصلاة على نبيه، وعيب اللات والعزى، وذكر أبي جهل بما يكره. عند ذلك تناول أبو جهل إحدى الحراب، - خارجا عن طوره - وغمدها في (سمية) وانثنى هائجا محموما فرفس ياسر، وظل يرفسه حتى لفظ الشيخ آخر أنفاسه. وكان الزوجان الصالحان طليعة الشهداء في الإسلام، وربيئة (1) قافلته إلى الجنة.
زف ياسر وزوجه إلى الجنة بموكب ملائكي أهداهما إلى الرضوان الخالد في جوار الرفيق الأعلى. وبقي عمار للمحنة ينسج من خيوطها بطولته الخالدة في التاريخ، ويضرب منها

(1) ربيئة القوم: عينهم ورائدهم. وربيئة الجيش: طليعته.
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»
الفهرست