المثل لأعظم الصبر، وأعظم التضحية، وأعظم الإيمان، وكان بعد أبويه نصب عيني أبي جهل، لا يريحه إلا ليتعبه، ولا يفرج عنه إلا ليعتقله، اتخذ منه الخبيث لعبة رهيبة كلعبة الهر والفأر. يطمعه بالحياة، ثم يريه الموت ألوانا، ولكن انتهى الأمر بينهما نهاية رائعة حين استقام لعمار من الثبات ما جعل بيده سوطا يجلد به نفس أبي جهل بأقسى من السوط الذي يجلد به أبو جهل بدنه، الأمر الذي أغاظ أبا جهل وأحنقه وأنشأ في نفسه عقدة مركبة من الحقد والانتقام دفعته إلى الغلو بتعذيب فريسته غلوا همجيا لا يطاق، وعمار مقيم على صبره، معتصم بثباته، يجد النبي مواسيا له في محنته، يزوره كلما ألم به عذاب أبي جهل، فيمسح رأسه، ويؤنس وحشته ويسأل الله تخفيف ما به فيقول: " يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت بردا وسلاما على إبراهيم ". ويجد عمار برد هذا الدعاء في قلبه، فيعتصم بالثبات ويقيم على الصبر.
وبلغ به مرة حز الحديد، ولفح النار، وضغط الماء مبلغا لم يدر معه ما يقول: فلما أطلقه أبو جهل، أقبل على النبي كئيب الوجه، منكسر النفس، دامع العين، فقال له النبي: ما وراءك؟. قال عمار: (شر يا رسول الله، والله ما تركوني حتى ذكرت آلهتهم بخير، وذكرتك بما تكره). قال النبي: " فكيف تجد قلبك؟ " قال عمار: (أجده مطمئنا بالإيمان) قال النبي:
" فإن عادوا فعد " ونزلت في عمار آية جديدة: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من